• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

أوراق في نهاية عام

ديسمبر 22, 2022

د. القس جرجس عوض

وها نحن نقترب من نهاية عام ٢٠٢٢ وسوف يسدل الستار عليه وتطوى أيامه ولن يتبقى منه سوى الذكريات.
ولكن هذا العام حمل في طياته آلاماً مبرحةً.
فقد شوّه البشر تاريخه بالحرب، الأكثر تأثيراً على العالم.
وقد كتبت على صفحاته حرب روسيا وأوكرانيا، تلك الحرب التي أرهقت سكان الأرض، حيث إن روسيا وأوكرانيا هما من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية عالميا، وذلك بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية.
ونتج عن ذلك ارتفاع الأسعار العالمية بصورة غير مسبوقة.
ومن ثم ارتفع سعر الغذاء والقمح والنفط والغاز الطبيعي.
وشهدت تكاليف الغذاء قفزة عالمية في ظل الأمور الحادثة .

وأيضا هناك الكثير من أحداث وحوادث عالمية ومحلية سُطرت على أوراق هذا العام، لن ينساها التاريخ.
ومن هنا نرى أن العام عبارة عن أوراق مثل أوراق الروزنامة اليومية.
ولكنها أوراق بيضاء يسجّل عليها البشر أعمالهم وإنجازاتهم، وذلك على الصعيد المحلي والعالمي سواء كانت تلك الأعمال نجاحات أو إخفاقات.
ليس هذا فحسب، بل إن الأمر يأخذنى إلى ما هو أبعد حيث إن حياة الإنسان هى عبارة عن بعض الأوراق والأرقام.

أما عن الأوراق فهى كما يلى:

أولاً: حينما يولد الإنسان لا بُدَّ من استخراج ورقة قيد الميلاد وهى شهادة الميلاد، تلك الشهادة التي تثبت نسبه ومكانه وزمانه ونوعه وجنسيته.

ثانياً: الشهادات العلمية التي تبدأ رحلتها مع أوراق الشهادة الابتدائية، ثم أوراق الإعدادية والثانوية وحتى الدكتوراه، وبدون تلك الأوراق يصعب التوصيف أو التوظيف.

ثالثاً: المقتنيات الشخصية مثل السكن أو السيارة أو الأراضي أو المباني.. الخ.
تلك المقتنيات بدون أوراق تصبح واهية، إذاً ملكية الأشياء هى عبارة عن طية من الأوراق اللازمة لإثبات الحقوق الشخصية.

رابعاً: التحركات والسفر, ففي داخل البلاد يلزم أن يسير بأوراق تثبت هويته مثل البطاقة وموقفه من التجنيد ورخصة القيادة، وفي خارج البلاد يلزم أن يسير بأوراق مهمة مثل جواز السفر والفيزا للإقامة.

خامساً: المعاملات النقدية في كل العالم لا بُدَّ من أوراق نقدية أو فيزا كارت وبدون تلك المعاملات النقدية لا تستطيع التحرك أو الحصول على الاحتياجات اليومية مثل الطعام والشراب والإقامة، أو جميع التعاملات في كل مشتملات الحياة.

سادساً: الحياة الزوجية لا بُدَّ من وجود أوراق عقد القران وبدون تلك الأوراق يصبح الزواج باطلاً ولا يعتد به.

سابعاً: الوفاة بدون استخراج ورقة شهادة الوفاة يظل الإنسان وكأنه على قيد الحياة، أمام كل الجهات الحكومية برغم من أنه في حقيقة الأمر في عداد الموتى!.

قرأت هذه القصة التي حدثت بالفعل، أن أحد الأشخاص توفي جاره وكان المتوفي ليس لديه أبناء ذكور يتولون إجراءات استخراج شهادة الوفاة، فوضع هذا الجار على عاتقه مساعدة تلك الأسرة، بأن يقوم باستخراج شهادة الوفاة لجاره.

وبالفعل ذهب ببطاقة جاره لاستخراج شهادة الوفاة من مكتب الصحة، وقدّم بطاقته كمُبَلِّغ عن الوفاة, وبطاقة جاره كمتوفي، ومرت الأيام وذهب يصرف المعاش وقد تفاجأ بالكارثة أنه هو المتوفي وعليه إحضار أوراق تثبت أنه مازال على قيد الحياة!.

أما عن الأرقام, فلها أهمية لا يمكن تغافلها وهى تبدأ بالهوية، فلا بُدَّ من ذكر تاريخ الميلاد والاسم رباعياً والرقم القومي.
فيوم الميلاد رقم ويوم الوفاة رقم وعند الحصول على الشهادة لا بُدَّ من معرفة أرقام درجة النجاح.
ومن خلال الأرقام تحسب نتيجة التفوق.
وكل معاملات الإنسان عبارة عن أرقام، انا وأنت في العائلة رقم، وفي الدولة رقم، وللمنزل والسيارة والأرصدة رقم، ولا يمكن أن نستغنى عن الأرقام.

ونحن في نهاية عام أتمنى أن لا تكون مجرد ورقة أو رقم يكتب على صفحاتك.
اطرح عنك أنين السنين وآلام الأيام، اطرح كل فشل في حياتك وقرر أن تصنع التاريخ وكن فاعلا ولا تقبل أن تكون مفعولا به.

وعليك أن تصيغ أوراق حياتك من جديد لتكتب على صفحات التاريخ بصمة لا يمحوها الزمن.
كن متسامحاً ومتصالحاً مع نفسك والآخرين.
وقد قال احد الشعراء: لا تندم على تسامحك مع الآخرين فهو ليس ضعفًا، ولا تندم على صبرك عليهم فهو ليس انهزاماً، ولا تندم على حسن ظنك بهم فهي ليست سذاجة، وكن رجلاً صانعا للسلام مع نفسك وبين الآخرين..
ازرع الحب في قلبك أولاً وفي قلوب الكارهين والمبغضين، فالحب قوة لا تقهرها الكراهية. وابذر النور في أرض الظلام، فالنور يقشع الظلام، اجعل الخير عنوانك مهما علا الشر أمامك، فالخير أبقَ.