• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

هل تم احتواء أزمة «شخطة قلم» بين الكويت ولبنان؟

أغسطس 29, 2023

> يوسف حمود – الخليج أونلاين

يعيش لبنان أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على حكوماته المتعاقبة، وأصاب الشلل البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات، وانهارت العملة اللبنانية، وهو ما دفع قطاعاً كبيراً من السكان إلى صفوف الفقراء.
وفي وقتٍ يمر البلد العربي بهذه الأزمة ويبحث عن دعم عربي ودولي، أشعل تصريح لوزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، أمين سلام، عشية الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت، أزمة مع دولة الكويت، وذلك بسبب عبارة «بشخطة قلم» التي وردت على لسانه في معرض حديثه عن تمويل إعادة إعمار صوامع القمح التي دمرها الانفجار.
وتسببت تلك التصريحات بغضبٍ كويتي، وكادت تدفع نحو أزمة دبلوماسية، قبل أن تسارع بيروت إلى احتوائها والتوضيح وتقديم الاعتذار للبلد الخليجي، لتطرح تساؤلات، هل تم احتواء أزمة «شخطة قلم»، أم أن الأمر لا يزال مهدداً بالذهاب نحو أزمة خليجية جديدة؟
بعد الأزمة التي فجرها وزير الإعلام السابق جورج قرداحي مع السعودية ودول الخليج، في أكتوبر 2021، وتسببت بمقاطعة دبلوماسية مؤثرة انتهت لاحقاً، وبعد تصريحات خلفه في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري التي اعتبرت مسيئة للمملكة، أثار وزير الاقتصاد، أمين سلام، استياءً وغضباً في الكويت بعبارة «شخطة قلم».
الوزير اللبناني، في مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، قال إنه كان يخاطب أمير الكويت نواف الأحمد الصباح مناشداً إياه تمويل إعادة بناء صوامع القمح التي انهارت في انفجار مرفأ لبنان، قائلاً: «لبنان يعول بشكل كبير على دعم الكويت لإتمام المبادرة التي أطلقها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح ببناء الصوامع»، مضيفاً: «يمكن بشخطة قلم يرخص قرار ببنائها».
تصريح وزير الاقتصاد اللبناني استدعى موجة استنكار واستغراب في الدولة الخليجية، فوصفه وزير خارجية الكويت الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح بأنه «يتنافى مع أبسط الأعراف السياسية، ويعكس فهماً قاصراً لطبيعة اتخاذ القرارات في دولة الكويت، بما في ذلك المنح والقروض الإنسانية التي تقدمها حكومة دولة الكويت للدول الشقيقة والصديقة».
وأوضح أن الكويت «ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل في قراراتها وشؤونها الداخلية»، كما حث وزير الاقتصاد اللبناني على سحب هذا التصريح، حرصاً على العلاقات الثنائية الطيبة القائمة بين البلدين.
بدورهم، شن عدد من أعضاء مجلس الأمة هجوماً على الوزير اللبناني، وقالوا إن علاقة البلدين «ليست محل اختبار أو تقييم»، وإن الكويت «بلد مؤسسات ولا تدار أموال الشعب الكويتي (بجرة قلم) أو باتصال هاتفي»، في وقتٍ دعا نواب إلى تعديل يُلزم الصندوق بالحصول على موافقة مجلس الأمة قبل اعتماد القروض الخارجية.
عقب الغضب الكويتي خرج سلام في توضيح لتصريحه (5 أغسطس 2023) وقال إنه «قصد من عبارة بشخطة قلم، وهي عبارة تستخدم باللغة اللبنانية العامية، أن الموضوع قابل للتنفيذ وبسرعة، ولم يكن القصد باستعمال هذه العبارة تجاوز الأصول والآليات الدستورية والقانونية المرعية الإجراء من قبل دولة الكويت أو من قبل لبنان».
وعبر عن أمله في أن يقبل مجلس الأمة الكويتي توضيحه، قائلاً: «كنت مرتاح الضمير في طلبي؛ لأنني أناشد بلداً شقيقاً لطالما وقف إلى جانب لبنان، وأنا مدرك للمخاطر المحدقة بالأمن الغذائي، خصوصاً أن البنك الدولي صنف لبنان الأكثر خطورة في تحديات الأمن الغذائي لأنه لا يملك مخزوناً استراتيجياً».
كما قال في تصريحات لاحقة (8 أغسطس): إنه «لن يكون هناك أي توتر بالعلاقة مع الكويت»، مشيراً إلى أنه تم توضيح سوء التفاهم، ولن يسمح بأن يتم تصعيد ما حدث بينهما من تصريحات.
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن سلام قوله، إن الأمور «هدأت مع دولة الكويت بعد المؤتمر الصحافي الذي عقدته»، مضيفاً: «حصل استغلال لتعبير لبناني، وأعمل على زيارة قريبة لدولة الكويت، وسوء الفهم تبدد بعد التوضيح من قبلنا».
بدورها، نقلت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية (رسمية) عن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، قوله في تعليقه على ما بدر من وزير الاقتصاد فيها، بالتأكيد على احترام بيروت للشؤون الداخلية للدول.
وقال ميقاتي: «نحترم مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، بما فيها الكويت، التي تخضع القرارات فيها لضوابط دستورية، ونؤكد عمق العلاقة بين لبنان والكويت ومتانتها والتي لن تشوبها شائبة».
يقول الصحفي اللبناني طوني مراد، إن التصريح الذي خرج به الوزير اللبناني، «كان مسيئاً للكويت وبشكلٍ كبير، ويدل على عقلية السلطة الحاكمة في لبنان».
اعتبر مراد ما يحدث مع حكومة بلاده أنها «تحولت إلى عقلية سلطة حاكمة فرطت بالمال العام.
وحالياً تعيش على تسول القروض والهبات تهرباً من الإصلاحات المالية والاقتصادية».
ويرى أن «الكويت رغم غضبها من تلك التصريحات تركت مجالاً للوزير للاعتذار عما قاله، وهو ما حدث لاحقاً، إيماناً منها بصعوبة المرحلة التي يعيشها لبنان، وعدم استغلال هذا التصريح من أجل التخلي عن وقوفها الدائم إلى جانب بيروت في الأزمات المستمرة، وإلا لكانت سحبت سفيرها وطردت سفير لبنان».
وحول ما إن كانت الأزمة قد انتهت، يقول: «أعتقد ذلك، وزير خارجية الكويت طلب سحب تصريح وزير اقتصاد حكومة لبنان المؤقتة وهذا ما حدث، لكن لا يعني ذلك انتهاء الأزمة تماماً، فأي تصريح قادم أو خطوة غير مناسبة من الحكومة قد تعيد الأزمة مجدداً وربما للأسوأ».
وهاجم مراد مواطنه وزير الاقتصاد قائلاً: «يبدو أن الوزير قد فاته أن دولته في غيبوبة، والسلطة عاجزة وفاشلة وفاسدة، ولا ثقة بالحكومة ولا بالمنظومة السياسية الحالية. ومن ثم فإن شخطة القلم يجب أن تُغير هذا الواقع اللبناني المزري أولاً، وتسعى إلى تنقية سمعة لبنان والحفاظ على كرامته».
بدوره، يرى الكاتب الكويتي عبد المحسن الحسيني أن «العلاقة الحميمة بين الكويت ولبنان لا يمكن أن تتأثر بتصريح غير مقصود»، معتقداً أن الوزير اللبناني «خانه التعبير».
ويوضح، في مقال له بصحيفة «الأنباء» الكويتية، أن «لبنان وزعماءه كلهم أبدوا أسفهم الشديد للتصريح المغلوط، وكان رد فعلهم هو الاعتذار عن أي شائبة تتسبب في إفساد علاقة أخوية وحميمية بين الكويت ولبنان».
وتابع: «دعوكم من شخطة غلطة فإنها لا تستطيع أن تؤثر في علاقات تاريخية ما زال أهل الكويت يرتبطون بها، وها هم يملؤون جبال لبنان يقضون إجازاتهم في لبنان الجميل بجوه وبحره وفاكهته».
في 4 أغسطس 2020، وقع انفجار في مرفأ بيروت أودى بحياة أكثر من 215 شخصاً، وتسبب بإصابة نحو 6500 آخرين، وأضرار بقرابة 50 ألف وحدة سكنية، وقُدرت خسائره المادية بنحو 15 مليار دولار.
وحينها قالت الكويت، على لسان سفيرها في بيروت عبد العال القناعي، في تصريحات لإذاعة «صوت لبنان»، إن الصومعة المنكوبة بُنيت في 1969 بقرض تنمية كويتي (بسعة 120 ألف طن)، مشيراً إلى أن بلاده «ستعيد بناء الصومعة لتظل رمزاً لإدارة العلاقات بين الدولتين».
يذكر أن العلاقات بين لبنان ودول خليجية، ومن بينها الكويت، قد توترت في نهاية عام 2021، بعد تصريحات لوزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي حول اليمن أثارت جدلاً واسعاً، واعتبرت مسيئة للسعودية والإمارات، قبل أن تقود الكويت وساطة لحل الأزمة التي انتهت بعد عدة أشهر.
ويتعرض لبنان لأزمة سياسية واقتصادية خانقة، ويتسبب تأخير انتخاب الرئيس في زيادة معاناة البلاد بجميع المجالات، حيث يواجه لبنان تدهوراً مستمراً في قيمة العملة، إلى جانب تضخم كبير، ونقص في الموارد المالية، وارتفاع معدلات البطالة.
وتعد هذه الأزمة أكبر خطر على استقرار لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990.