• الأحد. نوفمبر 19th, 2023

مليار دولار إضافيّة من مصرف لبنان لتحفيز الاقتصاد في 2016 سياسة إنقاذية تتولّى مهمة السلطتين التنفيذية والتشريعية في دعم النمو

سبتمبر 7, 2015

موريس متي

يوماً بعد يوم، تتعمّق الازمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها لبنان نتيجة الأوضاع والانقسامات السياسية والتطورات الامنية الداخلية والاقليمية. وتؤكد المؤشرات الصادرة حديثاً خطورة الاوضاع التي آلت اليها الامور، على الصعيدين الاقتصادي والمالي.
سجلت غالبية المؤشرات تراجعاً واضحاً في الاشهر الثمانية الأولى من 2015، ومنها حركة مقاصة الشيكات، ومساحات البناء المرخّص لها والواردات السلعيّة، ومعدل نمو النشاط المصرفي، ومعدل نمو التسليفات للقطاع الخاص، اضافة الى ارتفاع عجز ميزان المدفوعات، وتراجع ملحوظ للتدفقات المالية. باختصار، أصبح من الصعب جداً على لبنان أن يحقق نمواً كبيراً في 2015، مع استمرار تداعيات الازمة السورية على الوضع الداخلي، واستمرار الشغور في سدّة الرئاسة منذ أيار 2014، وعدم توافق الآراء بين الأحزاب الرئيسية حول امرار التشريعات الرئيسية في مجلس النواب. ووفق التوقعات لن يتمكن الاقتصاد اللبناني من تسجيل نمو أكثر من 1% خلال السنة الجارية، مقارنة بنحو 2.5% عام 2014.
أمام هذا الواقع، وفي غياب أي أفق للحل على الصعيدين السياسي الداخلي والامني الاقليمي، يجد مصرف لبنان نفسه مرة جديدة مجبراً على اتخاذ المزيد من المبادرات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قطاعات وتحفيز الشباب على البقاء في لبنان، وايجاد فرص عمل لجيل الشباب، وتالياً الحدّ من هجرة الأدمغة الى الخارج.
وفي خطوة قد تساعد على دعم الاقتصاد عموماً خلال سنة 2016، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اخيراً عن نيّة البنك المركزي إطلاق رزمة تحفيز جديدة بقيمة لا تقل عن مليار دولار في السنة المقبلة، إذ من المقرر أن يمدّ المركزي المصارف التجارية بخطوط ائتمان ذات فائدة نسبتها 1% لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والمشاريع الناشئة، والبيئيّة، والمتعلقة بالطاقة المتجددة واقتصاد المعرفة.
وفي هذا السياق، تشير الدراسات التي وضعها مصرف لبنان الى ان جولة التحفيز الجديدة قد تسفر عن تحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 2% السنة المقبلة.
هذه المبادرة ليست الاولى من نوعها، فبعد إطلاق مصرف لبنان اعتباراً من العام 1996، الحوافز التي تستفيد من خلالها المصارف، من خفض الاحتياطي الإلزامي و/أو من خفض الالتزامات الخاضعة للاحتياطي الإلزامي والتي أدّت إلى منح تسليفات استفادت منها قطاعات إنتاجية عدة وكذلك قطاع السكن، جاءت اول رزمة تحفيز من السيولة بكلفة متدنية للمصارف مع مطلع 2013 بمثابة برنامج تحفيز جديد للتسليفات، شمل معظم القطاعات الإقتصادية، محاولاً المركزي من خلالها إعطاء دفع جديد لعملية النمو عبر التسليف المصرفي بالليرة وبفوائد مقبولة. فكان أن وضع مصرف لبنان من خلال مبادرته نحو 1,46 مليار دولار في تصرّف المصارف بفائدة 1%، وذلك بموجب التعميم الوسيط 313/2013، ووحدد المركزي بنية افادة الانشطة الاقتصادية من آلية التسليف مع سقف للفوائد المدينة لا يتعدى 5%. ووضع كذلك ضمن هذه الآلية مطلع العام 2014 مبلغاً اضافياً بقيمة 800 مليون دولار لمزيد من التحفيز، وليعيد الخطوة مرة جديد مطلع السنة الجارية مخصصاً مبلغ مليار دولار لقطاعات الاسكان والتعليم والبيئة والطاقة البديلة وريادة الاعمال والبحوث والتطوير والمشاريع الانتاجية والاستثمارية الجديدة.
كذلك أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط الرقم 331 الذي سمح للمصارف والمؤسسات المالية بالمساهمة، ضمن حدود 3% من أموالها الخاصة، في رسملة مشاريع ناشئة وحاضنات أعمال وشركات مسرِّعة للأعمال يكون نشاطها متمحوراً على قطاع المعرفة. والغاية التي يتوخاها المركزي من هذا التعميم، الذي يلاحظ تخصيص 400 مليون دولار لهذا النوع من الاستثمارات، هي تحريك آليات تأسيس شركات جديدة واعدة، يمكن أن تتحوّل مستقبلاً الى شركات مساهمة قابلة لإغناء الثروة الوطنية، وتوفير فرص عمل جديدة وتقوية نشاط السوق المالية.
حالياً، بات مؤكداً أن مصرف لبنان مستمر في مبادراته خلال السنة المقبلة، اذ يُنتظر ان يطلق خطة تحفيز جديدة بقيمة مليار دولار. ومع هذه الرزمة تكون القيمة الاجمالية لمجموع الرزم التي اطلقها المركزي منذ العام 2013 وصلت الى نحو 5 مليارات دولار. ووفق الخطة، سيشمل التحفيز الجديد هذه المرة قروضاً بأسعار منخفضة للإسكان والمشاريع الجديدة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والبديلة. وكما هو معتمد لدى البنك المركزي، عند اطلاق خطة تحفيز بقيمة معيّنة يكون إلى جانبها ما يساويها تقريباً من التسليفات، لكون التمويل الذي يقوم به القطاع الخاص في جزء منه يكون قروضاً مدعومة وفي جزء آخر قروضاً طبيعية، ويستطيع هذا الامر تالياً أن يحرك الإقتصاد ويدعم النمو. وتشير أوساط المركزي الى ان الحاكمية تراقب عن كثب سبل تفاعل السوق مع خطة التحفيز، بشكل مستمر ودقيق، حتى لا تتسبّب السيولة الاضافية التي يضخّها في زيادة نسب التضخم أو تقليص الاحتياطيات النقدية الأجنبية. مع الاشارة الى ان صندوق النقد الدولي كان توقع نسبة تضخم متدنية بحدود 1,1% في 2015، وذلك من 1,9% في 2014 و4,8% في 2013، لا سيما في ظل تأثيرات انخفاض أسعار النفط على لبنان عموماً.
باختصار، بادر مصرف لبنان ومنذ العام 2013 إلى تحويل المتانة النقدية التي تمكّن من إنجازها، لخدمة النمو الإقتصادي والاستقرار الاجتماعي. وقد باتت السياسة النقدية التي يتّبعها المصرف المركزي منذ عقدين تحل جزئياً مكان السياسة المالية والاقتصادية التي هي أصلاً وقانوناً من مسؤولية السلطة التنفيذية، مدعومة من السلطة التشريعية. هذا الإنحسار المؤسف لدور السياسة المالية والإقتصادية في تفعيل الإقتصاد الوطني وتنشيطه وتوفير مقوّمات النمو المطّرد والمستدام عائد الى عدم الإستقرار السياسي والأمني في البلاد والى ارتباط الوضع الداخلي عموماً بالوضع الإقليمي الى حدّ الارتهان له.