• الجمعة. نوفمبر 10th, 2023

مخاوف من سيناريو داعشي في لبنان بعد تَدْمُر… إذا وقعت مناطق لبنانية تحت سيطرة داعش فهل يتم استهدافها بذريعة ضرب الإرهاب؟

أبريل 17, 2016

بعد تَدْمُر، هناك مَن بات يفكر في إمكان أن يتحقَّق سيناريو مشابه تكون بطلته داعش في لبنان، ومسرحُه البقعة التي اندلع فيها القتال حديثاً وفجأةً، من جرود الهرمل وعرسال… وصولاً إلى وادي خالد في الشمال. وهذا السيناريو، إذا تحقَّق، ستعقبه سيناريوهات تكون لها انعكاسات عميقة على مسار التحوُّلات في لبنان.
اللافت، الأسبوع الفائت، بالتزامن مع خسارة داعش مدينة تَدْمُر لمصلحة نظام الرئيس بشّار الأسد، أن تنظيم داعش تحرَّك في اتجاه عرسال وجرودها ومناطق أخرى في البقاع الشمالي، محاولاً التقدم على حساب جبهة النصرة. كما افتعل مناوشات مع مواقع الجيش اللبناني شمالاً في محاولة للعبور إلى وادي خالد.
الصورة للمراقب عن بُعد تبدو أشبه بالشطرنج أو بتركيب بازل، حيث يجري نقل البيارق من مربع إلى آخر ضمن خطة مترابطة.
البعض يعتقد أن ما جرى في تَدْمُر هو انتصار للأسد. ولكن، في المعارضة السورية مَن يسأل: أليس في الأمر ما يثير الأسئلة؟ فكيف يتقدَّم جيش الأسد في صحراء حمص ويسيطر على تدمر بهذه السهولة، بعد توقف الدعم الجوي الذي قدّمه الحليف الروسي؟
وإلى أين لجأ مقاتلو داعش الهاربون من تَدْمُر، وهي مدينةٌ- جزيرةٌ في الصحراء، ولا يمكن لأحد أن يغادرها من دون أن يكون مكشوفاً تماماً. فهل تمت تصفية كل الداعشيين في تَدْمُر؟
وتقود هذه الأسئلة إلى ما يتردّد في أوساط متابعة عن أن التنظيم الذي يبدو في الظاهر مُغالياً في القتال الجهادي السنّي هو في الواقع عنوان لجماعات مختلفة تستفيد منه، فالجماعات السنّية السلفية الحقيقية لا قرار لها في معظم خطوات داعش الكبيرة.
والذين تابعوا ما جرى في تَدْمُر، توقفوا عند تزامنه مع الاشتباكات والتحرشات التي افتعلتها داعش في المناطق الحدودية، في البقاع والشمال اللبنانيين، وطرحوا أسئلة جدية عن احتمال وجود ترابط بين المشهدين في تدمر ولبنان.
ليس جديداً سعي داعش إلى التمدُّد من سوريا إلى لبنان والسيطرة على مناطق بقاعية وشمالية، ما يفتح لها الطريق إلى منفذ بحري بين طرابلس وعكار. وهذا المخطط سبق لقائد الجيش العماد جان قهوجي أن تحدث عنه. لكن اللافت اليوم هو التوقيت.
وتلتقي هذه المخاوف مع ما يجري حالياً في سوريا من ترتيب تفصيلي للمواقع والخرائط ساهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تكريسه، بالتفاهم مع واشنطن، ما يوفِّر للأسد منطقة نفوذ آمنة، وللأكراد كذلك، وللسنّة منطقة أو أكثر.
ويقول البعض: عندما تنسحب داعش من منطقة في سوريا وتحاول على الفور اجتياح مناطق سنّية في لبنان، فهذا يثير احتمال أن تتخلّى عنها لاحقاً. وما تحاول داعش السيطرة عليه في لبنان هو المنطقة السنّية لا الشيعية، لكنها قد تأخذ في طريقها قرى مسيحية أو شيعية.
وإذا حصل ذلك، أي إذا نجحت داعش في طرد النصرة واحتلال عرسال وجرودها والجزء السنّي من الشمال اللبناني، وأصبحت هذه البقعة في يدها، فستجعل هذه المنطقة عرضة للاستهداف المشروع. ويمكن توقُّع أن يتدخل الأسد وحلفاؤه، بغطاءٍ من القوى الدولية، لإنقاذها من أيدي الإرهابيين.
تداعيات انقلابية في لبنان
وبالنسبة إلى بعض المحللين، إن سيناريو تَدمُر- إذا جرى في البقاع والشمال – ستكون له تداعيات استراتيجية بالغة الأهمية، لأنه يفسِّر كيف يمكن أن يربط الأسد منطقة نفوذه في سوريا بمنطقة النفوذ الشيعية، في محاذاة الحدود من الجهة اللبنانية. وهذا الأمر يلتقي تماماً مع الطروحات التي يجري تحضيرها لسوريا، حيث تتوزّع مناطق النفوذ المذهبية والقومية.
ففي المبدأ، يريد الأسد إعادة نفوذه على سوريا بكاملها، لكنه ليس قادراً على تحقيق هذا الهدف. وكذلك يبدو صعباً تحقيق طموحه باستعادة السيطرة على لبنان، مباشرة أو بشكل غير مباشر.
لذلك، إن سيناريو من هذا النوع – إذا جرى – سيُحْدِث انقلاباً عميقاً في لبنان. وسيكون أمام اللبنانيين أن يرفضوا سيطرة الأسد مجدداً على مناطقهم في الشمال والبقاع، لكنهم سيتجنبون الانجرار إلى فتنة مذهبية، فيما سيتمسك الأسد بشعار تحرير المنطقة وأهلها من إرهاب داعش.
وهناك مَن يتحدث عن تخطيط لجعل جانبي الحدود منطقة نفوذ واحدة. وهذا يقتضي إحكام السيطرة على كل البقع من الجهة اللبنانية، ما يسمح بمدّ منطقة النفوذ بمحاذاة الحدود، من الشمال إلى الجنوب، بلا انقطاع.
وهكذا، قد تلعب داعش دوراً ملتبساً في لبنان، كما هو دورها في سوريا والعراق وسواهما. فمن خلالها ستسهل عملية الشرذمة وإعادة رسم الخرائط. وهذا ما يؤكد مجدداً أن داعش ليست سوى عنوان جرى اختراعه لبلوغ غايات معينة، وسينتهي عند استنفاد هذه الغايات.
عرسال والواقع المأزوم

المتابعون يقولون إن قرار داعش بإزاحة جبهة النصرة واحتلال جرود عرسال ومنطقة الحدود اللبنانية – السورية ليس وليد ساعته. إنه متَّخذ منذ الصيف الفائت، وقد ظهرت ملامحه التنفيذية خلال الأشهر الفائتة. ويمكن اعتبار البقعة الممتدة من عرسال وجرودها وصولاً إلى الحدود اللبنانية – السورية جزءاً من مناخ الحرب الأهلية السورية، لا جزءاً من الحالة اللبنانية. ففي البلدة التي يصل عدد سكانها اليوم إلى أكثر من 90 ألف نسمة، ليس هناك سوى 35 ألفاً أو 40 ألفاً من أهلها اللبنانيين، والباقون نازحون من سوريا.
ومخيمات السوريين في جوار البلدة باتت تضم حشوداً يصعب فيها إحصاء عدد الداخلين وعدد الخارجين. وأما السيطرة في الجرود فكانت غالباً لالنصرة، وصولاً إلى الحدود. ولا يقوم الجيش اللبناني في هذه البقعة إلا بدور احتياطي، أي إنه يمنع تمدُّد المسلحين إلى مناطق أخرى، وخصوصاً في اتجاه البلدات المجاورة كالقاع ورأس بعلبك.
ويعتبر كل من داعش والنصرة أن المواجهة بينهما في هذه المنطقة هي جزء من المواجهة القائمة بينهما في سوريا. وفي ربيع العام الفائت، أحرزت داعش تقدُّماً في عدد من المناطق السورية، ومنها القلمون، على حساب النصرة.
لكن الجبهة بقيت متفوِّقة في المنطقة اللبنانية الحدودية وصولاً إلى عرسال. ولذلك، بدأت داعش تخطط لبسط نفوذها نحو جرود البلدة سعياً إلى تحقيق ثلاثة أهداف:
1- جعل المنطقة اللبنانية الحدودية خلفية آمنة لها.
2- توجيه ضربة جديدة إلى النصرة تؤدي إلى إضعافها.
3- الإمساك بورقة ضاغطة على الحكومة اللبنانية. فإذا سيطر التنظيم على البقعة الحدودية، أصبحت عرسال أسيرة له. وفي ذلك يكون قادراً على ممارسة الضغوط على لبنان ومن خلاله على القوى الدولية الراعية لاستقراره.
وفي يد داعش أيضاً ورقة العسكريين المخطوفين.
ضعف النصرة مالياً
إذاً، في ظل هذه المعطيات، تقوم داعش منذ أشهر بخطوات عملانية في اتجاه السيطرة على البقعة العرسالية الممتدة حتى الحدود، من خلال عمليات قصف وخطف وتفجير واستهدف النصرة والمجموعات العاملة معها هناك، ومنها قبل أشهر تفجير مقرّ هيئة علماء القلمون، ما أدى إلى مقتل العديد من أركانها.
وتقوم داعش بعملية إفراغ مبرمجة لتلك البقعة من عناصر النصرة. وهي استفادت من الضيق المادي الذي تعانيه الجبهة لتغري العديد من عناصرها بالانتقال إلى صفوفها. وتمكنت من تحقيق هذا الهدف جزئياً.
وعبّرت تقارير أمنية أخيراً عن شكوك في أن مجموعات من داعش تسللت إلى تلك البقعة، تحت ستار النازحين. وبدت لافتة كثافة الوافدين إلى مخيمات النازحين من فئة الرجال والشبان، لا النساء والأطفال والشيوخ.
وهذا ما اعتبرته مراجع أمنية مؤشراً إلى حصول تسلل لمجموعات مكَوْدرة بين النازحين الوافدين عبر ممرّات غير شرعية في معظم الأحيان.
ويبدو أن داعش استطاعت، في بعض المعارك، تحقيق تقدُّم في خطتها للسيطرة على البقعة اللبنانية من الحدود، فغالبية المعابر بين لبنان وسوريا باتت في يدها. ومن البديهي أن يكون هدفها التالي بلوغ مشارف عرسال، واحتلال المواقع التي تشغلها اليوم جبهة النصرة. وهذا الأمر ستضغط داعش لتحقيقه.
وفي الخلاصة، سيكون احتلال داعش لهذه البقعة مغامرة مكلفة يخوضها لبنان، ويدفع ثمنها عرسال وأهلها وجوارها أولاً، والنازحون السوريون ثانياً. ومن سخريات القدر أن تكون هناك مفاضلة في لبنان بين إرهابي مقبول وقابل للمفاوضة كالنصرة وإرهابي مرفوض ورافض للمفاوضة كداعش!

حصانة لبنان!!
في مقابل كل هذه المخاوف، لطالما تلقّى المسؤولون اللبنانيون تطمينات عبر أقنية دبلوماسية: لا تخافوا. لبنان ما زال يتمتَّع بالحصانة. هو لن يسقط. والغطاء الدولي الواقي فوقه لن يتمزَّق. ومهما أتَّسع الإهتراء الأمني والسياسي والإقتصادي، فهو لن يطيح بالحدِّ الباقي من السلطة المركزية.
ولذلك، عندما إندلعت النار في عرسال –
القلمون، وفي طرابلس أحياناً أو سواها، خشي كثيرون أن تكون الفتنة على وشك الاندلاع فعلاً، وبلا ضوابط. والخوف الأكبر كان على الجيش. فهو المؤسسة الباقية فوق الجميع.
ولكن، بدا الجيش اللبناني متماسكاً جداً. وتمكن من كشف الخلايا الإرهابية بنجاح في مناطق عدة، ما استحق تقدير المجتمع الدولي. وحظي الجيش بالغطاء الذي سمح له بهذه الإنجازات، في مواجهة تنظيمات إرهابية قد تكون قادرة على خوض حرب عصابات طويلة المدى مع الجيش بهدف إنهاكه.
العديد من الأقنية الدبلومسية الغربية، وفي مقدمها واشنطن، أكدت أن القوى الدولية ماضية في دعم الجيش، وهي تسارع إلى تزويده بكميات من الأسلحة والذخائر والصواريخ المناسبة لحرب الشوارع.
ويقول متابعون: يمكن التهاون مع الإشتباكات والمواجهات والإرباكات الموضعية، أي تلك التي تجري في مناطق لبنانية محدَّدة ومحصورة. لكن قيام التنظيمات الإرهابية بالسيطرة على مناطق كاملة، كبعض الشمال طرابلس – المنية – الضنية – عكار أو البقاع عرسال أو البقاع الغربي أو الجنوب صيدا – عين الحلوة ممنوع. وكذلك، ممنوع قيامها بربط المناطق المتوترة الشمال بعرسال مثلاً. ومن هنا، يتمّ الحسم السريع والمفاجئ في مناطق التوتر، بناء على إشارة دولية حاسمة ودعم مطلق للجيش، لمنع إنفراط الوضع في لبنان.
ويقرأ المعنيون هذه الإشارات كعلامة إطمئنان إلى إستمرار الغطاء الدولي للوضع اللبناني. فقبل العام 2005، كانت سوريا هي المتعهِّد الشرعي لهذا الوضع، بتكليف دولي. وكانت تستخدم هذا التعهُّد وفقاً لحساباتها. وبعد 2005، زالت وصاية سوريا، لكن الوضع اللبناني لم يُترَك بلا وصايات، بالمعنيين الإيجابي أو السلبي.
وعلى مدى 9 أعوام، مرّ لبنان بمواجهاتٍ صعبة شاركت الوصايات الخارجية في صناعتها، وأبرزها نهر البارد و7 أيار/مايو وحروب طرابلس وعبرا وعرسال وسواها. فهذه المواجهات تمّت بالأصالة عن القوى المحلية وبالوكالة عن القوى الإقليمية. لكن الوصايات إياها هي التي صاغت التسويات لئلا تصبح المواجهات شاملة وقاتلة.
وهكذا فالنموذج اللبناني من الوصايات يحمل السلبيات والإيجابيات في آن معاً. فلولا التدخلات الخارجية لما تلقّى العديد من الأطراف تغطية للتفجير. ولولاها لما تبلّغ هؤلاء أنفسهم تعليمات بوقف القتال والإنكفاء… حتى الجولة التالية!
وهكذا، يعيش لبنان بفضل الغطاء الدولي. ومن السخرية إستجداء اللبنانيين للوصايات أو الحمايات الخارجية في آن معاً، لتساعدهم على التقاتل، ولتمنعهم من إحراق أنفسهم.
إنها سخرية بطعم الدم والكوارث المستدامة.