• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

لماذا تجازف أكبر شركة اتصالات صينية بالاستثمار في سوريا؟

نوفمبر 2, 2015

قد تخشى معظم الشركات من فكرة عقد صفقات ضخمة مع دمشق، لكن هذا لا ينطبق على عملاق الاتصالات الصيني: هواوي.
تراهن روسيا على مستقبلها الجيو- سياسي في الشرق الأوسط اعتماداً على تدخلها العسكري لمساندة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لكن إحدى الشركات الكبرى من العملاق الآخر، الصين، تراهن على أنه حين تنتهي الحرب الأهلية في سوريا، سيكون البلد مكاناً مناسباً للاستثمار الاقتصادي.
صفقة كبيرة
لخدمات الإنترنت
أعلنت شركة هواوي، إحدى أغنى الشركات الصينية وأكبر مصنّع لمعدات الاتصالات في العالم، مطلع الشهر الحالي أنها وقّعت اتفاقاً مع سوريا للتخطيط «لاستراتيجية وطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، بما في ذلك بناء شبكة واسعة النطاق لخدمات الإنترنت، بحسب تقرير نشره موقع «ذا ديلي بيست» الثلاثاء 27 أكتوبر/تشرين الأول 2015.
ليست هذه المرة الأولى التي تبادر فيها الشركة للعمل مع نظام استبدادي شرق أوسطي. ففي عام 2011، وقعت الشركة عقداً لتركيب المعدات لأكبر شركات الموبايل الإيرانية كجزء من نظام يتعقب مواقع الأشخاص عبر إشارات هواتفهم. وطالما شكّك مسؤولون أميركيون أن الشركة تمنح الحكومة الصينية واستخباراتها حق الوصول إلى المعدات التي تقوم بتركيبها، لتشكّل بذلك ذراعاً لنظام المراقبة الصيني.
الصفقة السورية لن تخفف من هذه المخاوف. سيستمر العمل حتى عام 2020 وهو يغطي الخطتين، القريبة المدى والبعيدة المدى، لإصلاح وتطوير البنية التحتية للاتصالات في سوريا، والتي تضررت بشدة بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات، وتقول هواوي أنها ستقدم خدمةً استشارية لوزارة الاتصالات والتكنولوجية السورية.
لماذا تجازف الصين؟
هذا يفترض بالطبع أن الوزارة لا زالت موجودة، وأنه ثمة حكومة تتعاون معها هواوي، لكن مستقبل سوريا ورئيسها محل شك كبير، رغم جهود فلاديمير بوتين. إذاً لم تقوم شركة صينية كبرى لها علاقات وطيدة وروابط عميقة مع الحكومة الصينية بمجازفة كهذه؟
يبدو جلياً أن الشرق الأوسط وشمال أفريقية هي أهدافٌ رئيسية للشركة التي تسعى إلى توسيع عملها في مجال الاتصالات والتكنولوجيا، خاصة الهواتف الذكية ومشغّلات الفيديو. ويبدو أن سقوط سوريا في الفوضى لا يثني رؤساء الشركة عن هدفهم.
قال ويليام بلامر، نائب رئيس شركة هواوي والمتحدث باسمها، لموقع «ديلي بيست» أن «الشركة لديها سجلٌ حافل في بناء البنى التحتية، وقد قامت بتطوير أسواقٍ حول العالم، مضيفاً أن الشركة تعمل في 170 دولة وهي تقدم الخدمات لحوالي ثلث سكان العالم».
صفقات كثيرة في الشرق الأوسط
وقعت هواوي صفقات مؤخراً مع بلدان ذات بنية تحتية أقل تطوراً من البلدان المتقدمة، إذ تتمحور استراتيجية الشركة على العمل على تأسيس بنية تحتية في هذه البلدان.
«لدى هواوي شراكاتٌ كثيرة مع حكوماتٍ في أفريقية والشرق الأوسط»، قالت آمي كاميرون، المحللة البارزة في معهد أبحاث BMI. «من بين هؤلاء الزبائن كانت حكومات غانا (حيث فازت هواوي مؤخراً بصفقة قيمتها 305 ملايين دولار)، مالي، تنزانيا، زيمبابوي، كينيا، زامبيا وتونس».
أضافت كاميرون أن «جزءاً من هذه الاستراتيجية هو أن الكثير من هذه البلدان لديها شبكات تملكها الحكومة. لكن إن استطاعت هواوي العمل مع الحكومة، مقدمةً الأجهزة، التدريب التقني، بالإضافة إلى مهاراتها الخاصة، فغالباً ما سينتهي الأمر إلى الحصول على عقد لإعادة بناء الشبكة كلها».
وقد وقّعت هواوي عقوداً مع كل شركات الاتصالات الكبرى في الشرق الأوسط لمساعدتها في بناء شبكات LTE لاسلكية وشبكات Fiber Optic أرضية. «الشركة لديها حضور سلفاً في المنطقة، ولديها خبرةٌ كبيرة في العمل في ظروف صعبة. ولا أعتقد أن هواوي متفائلة بشأن وضع سوريا على المدى البعيد، لكنها لن تخسر شيئاً إن تعاقدت مع أي سلطة قائمة هناك الآن»، قالت كاميرون.
نانسي عجرم سفيرة الشركة
تراهن هواوي على سوريا والمنطقة كلها. في أكتوبر، أقامت الشركة حفلاً باذخاً في دبي للاحتفال بمرور 15 سنة على بدء عملها في الشرق الأوسط، حضر الاحتفال أكثر من 300 مسؤول حكومي كبير والكثير من رجال الأعمال، بما فيهم ممثلو كبرى شركات الاتصالات ووزراء الاتصالات في العديد من البلدان الشرق أوسطية. الكل كان يعاين منتجات هواوي المتنوعة، بينما كانت المغنية اللبنانية الشهيرة، نانسي عجرم وهي «سفيرة هواوي في الشرق الأوسط»، تغني بعض أشهر أغانيها.
مثّل هؤلاء الضيوف البلدان والشركات التي لديها اتفاقيات مع هواوي- بعض هذه الاتفاقيات تم تجديدها لتمتد إلى سنوات عديدة إضافية- والجميع سيكون متلهفاً لدخول السوق السورية حالما تنتهي الحرب.
«يبدو هذا انتهازياً للغاية. لا شك أن الخطر العضوي والتجاري أخاف العديد من المنافسين»، قال سكوت كينيدي، نائب رئيس قسم Freeman Chair in China Studies في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
كما أن الشركة لديها موطأ قدم في سوريا من قبل. تتفاخر شركة World Tec Co. وهي شركة اتصالات تأسست في حمص في عام 1994 أنها عقدت العديد من الصفقات مع هواوي منذ عام 2007، أي قبل بداية الحرب الأهلية في سوريا.
نشرت الشركة المذكورة صوراً على موقعها على الإنترنت حيث ظهر العمال بجانب موظف من شركة هواوي وهم يركّبون خطوط الفايبر إنترنت في ثلاث مدن سورية.
يقول دوج مادوري، رئيس شركة أبحاث Dyn الأميركية، أن «هواوي تريد هذه العلاقة مع الحكومة السورية لأن لديها معدات رُكّبت قبل أن يسقط البلد في الفوضى. لا شك أن الشعب السوري بحاجة إلى شركات اتصالات جديدة، خاصةً وأن البنية التحتية للإنترنت في سوريا مدمرة بسبب الحرب.
لكن رغم ذلك، تستمر الحياة في سوريا بشكل ما، وما زالت البنية التحتية للاتصالات بحاجة إلى إصلاح».
الأسد استخدم التكتولوجيا ضد شعبه
لكن الأسد استخدم هذه التكنولوجيا نفسها ضد شعبه، إذ ركّب برامج مراقبة لتحديد نشاط المعارضين على الإنترنت وتتبع مواقعهم.
يقول نشطاء المعارضة السورية أن قريب الأسد، رجل الأعمال المليونير رامي مخلوف، قام بتمويل «الجيش السوري الإلكتروني» وهي مجموعة من القراصنة المؤيدين للنظام تقوم بتتبع المعارضين بحيث يمكن اعتقالهم أو قتلهم.
كيف أصبح مخلوف بهذا الغنى؟ جزئياً لأنه مالك سيرياتل، إحدى شركتيّ الاتصالات الهاتفية الخليوية الوحيدتين في البلد. وإن بقي الأسد وقريبه في السلطة، غالباً ما سيتوجب على هواوي التعاقد مع مخلوف.
حين سُئل بلامر ما إذا كانت الشركة تساعد النظام السوري في مراقبة الناشطين والثوار، أجاب بأن هواوي عادةً ما تسير وفق قوانين الدولة التي تعمل فيها. «تقوم هواوي ببناء بنية تحتية للاتصالات وفق مواصفاتٍ عالمية علنية تقضي بأن كل الشركات يجب أن تسمح بالاعتراض القانوني للاتصالات. نحن نعمل وفق هذه القوانين، لا شيء أكثر»، شرح بلامر.
ذراع مراقبة للمخابرات الصينية
لطالما شكّك مسؤولو المخابرات الأمريكية في عمل هواوي كذراع مراقبة للحكومة الصينية ومخابراتها. وتوصلت لجنةٌ في الكونغرس إلى أن الولايات المتحدة «يجب أن تتعامل بحذر» مع محاولات هواوي لاختراق سوق الاتصالات الأميركي. لكن الشركة تنفي تعاونها مع الحكومة الصينية وتصر على أنها لا تخضع لأي جهة رسمية.
قد تكون الصفقة مع سوريا متعلقةً بالعلاقات العامة مثلما تتعلق بالمال. «الصفقةُ رسالة مفيدة لنظام الأسد إذ تمنح حكمه المزيد من الاحترام. تبيّن الصفقة أن الحكومة الصينية والشركات الصينية ترى في نظام الأسد الحاكمَ الشرعي لسوريا، وأن البلد مكانٌ جيدٌ للاستثمار»، قال كريستوفر هارمر، المحلل العسكري في «معهد دراسات الحروب» في واشنطن.
«عملياً، سيتوجب على الشركة الانتظار حتى يصبح البلد أكثر أمناً قبل أن تبدأ بإرسال موظفيها للعمل على الأرض. أي عامل في شركة اتصالات أجنبية تظهر في سوريا الآن سيكون هدفاً فورياً،
المعارضة سترفض الصفقات الأجنبية مع الأسد
فآخر ما تريده المعارضة هو أن يستطيع نظام الأسد تفعيل الاستثمارات الأجنبية وتوقيع عقود بناء البنية التحتية. قد تترك المعارضة المشروع يكتمل ثم تقوم بقصفه بعدها»، قال هارمر.
لكن الصفقة قد تساعد الصين حتى إن لم ترسل موظفين للعمل على الأرض، خاصةً بسبب المنافسة الاستراتيجية بينها وبين أميركا. «تبذل الصين كل ما في وسعها لطرد الولايات المتحدة خارج نطاق المحيط الهادئ: لا يستطيعون فعل ذلك عسكرياً، على الأقل حتى الآن، لكنهم يحاولون ما في وسعهم لإبعادنا عن المحيط الهادئ»، قال هارمر.
قد يكون الشرق الأوسط بعيداً عن المنطقة التي نتحدث عنها، لكن لأن إدارة الرئيس أوباما لم تتدخل لإيقاف التدخل الروسي حتى الآن، فإن المنافسين الآخرين- مثل الصين وصناعتها- لديهم الفرصة لفرض حضورها.
الصين والأسد.. علاقة بالتبني عبر إيران
الحكومة الصينية ليست راعيةً للنظام السوري مثل الحكومة الروسية، ولم تزود الصينُ النظامَ بأسلحة على مدى سنوات مثلما فعلت روسيا، كما لم ترسل قواتها أو طائراتها الحربية. لكن الصين تعاونت مع روسيا للإبقاء على نظام الأسد في السلطة. ففي عام 2012 قامت الدولتان باستخدام حق النقض (الفيتو) على قرار لمجلس الأمن يطلب من الرئيس السوري التنحي. كان إبقاؤه في السلطة نوعاً من ترقيع الشرعية السياسية للرئيس الذي قمع الثورة واستخدم الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين العزّل من شعبه. (صوتت إيران وكوريا الشمالية أيضاً ضد القرار الذي طالب الأسد بالتنحي).
«ستكون الصين سعيدة ببقاء الأسد في السلطة، فقط لتحرج الولايات المتحدة. كما أن بكين لديها التزامات مع النظام الإيراني، وهذا يجعلها في علاقة بالتبني مع سوريا عبر إيران»، قال هارمر.
وهكذا، قد تتضح فعالية المحور الروسي- الصيني- الإيراني بشكل أكبر في سوريا والشرق الأوسط، فيكون الثقل الروسي متركزاً على المكاسب العسكرية والجيو- سياسية، بينما تضمن الصين أن سوريا هي المكان المناسب لشركاتها.
إن صفقة هواوي هي علامةٌ على أن الصين لا تهتم بغير مصالحها.