• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

لبنان يصرخ في بروكسل… وأهله يصرخون من الجوع والوجع! الحريري يضع العالم أمام مسؤولياته: لبنان مخيَّم كبير!

أبريل 14, 2017

يقول نائب بارز: مخطئ مَن يظنّ أن أية فئة من اللبنانيين يمكن أن تستفيد من التداعيات الديموغرافية للنزوح السوري والفلسطيني إلى لبنان. فالجميع يخشى العواقب. ولذلك، رفع الرئيس سعد الحريري صوته بكل قوة في بروكسل: لبنان مخيّم كبير للنازحين، ومهدَّد بالانهيار!
في مطلع الحرب السورية، تدفّق النازحون السوريون عبر الحدود الشمالية والشرقية إلى لبنان. وطبيعي أن تقوم البيئة اللبنانية شمالاً وبقاعاً باستضافتهم بلا حساب. فلم يكن يفكِّر لا النازحون ولا البيئة اللبنانية المضيافة بأن الأمر سيطول أكثر من أسابيع أو أشهر معدودة.
نزل النازحون السوريون على البيئة اللبنانية المتعاطفة مع المعارضة والنظام على حدّ سواء، فانتشروا في الشمال والبقاع أينما كان، ثم بدأوا التمركز تدريجاً في المناطق ذات الغالبية المتعاطفة. فالفترات التي شهدت تفجيرات انتحارية في الضاحية والهرمل، بين 2013 و2015، خلقت فتوراً إزاء البيئات النازحة التي جرى إقحامها في العمليات.
ودفعت بعض التدابير المتخذة على مستوى البلديات وسواها إلى نزوح النازحين من الجنوب والضاحية وبعلبك – الهرمل نحو البيئات الأكثر تعاطفاً في عكار وطرابلس والمنية – الضنية، عرسال والبقاع الغربي، صيدا وعين الحلوة وإقليم الخروب، وبيروت ضمن حدود ضيقة.
أدى تمركز النازحين في عرسال إلى ذوبان البلدة تماماً في البحر السوري. فأهل البلدة باتوا اليوم أقلية فيها، والغالبية سوريون. ويزيد من تفاقم الأزمة أن جرود البلدة المفتوحة على سوريا واقعة في أسر حركة النصرة. وما يقال عن عرسال ينطبق على مشاريع القاع وبلدات البقاع الغربي.
وأما في الشمال، فتتحدث التقارير عن انتفاخ ديموغرافي سوري متفاقم، حيث تزداد البطالة بسبب فقدان لبنانيين سوق العمل الضيّق أساساً، وتضخُّم أعداد الطلاب السوريين في المدارس. وتزداد الضغوط على المستشفيات وشبكات الكهرباء والماء وسائر البنى التحتية الضعيفة أساساً.
هذه الصورة هي التي ينقلها لبنان الرسمي إلى الموفدين الدوليين الذين توافدوا أخيراً ونقلوا مطالبهم بتطبيع أوضاع النازحين السوريين، وهي التي حملها الرئيس الحريري إلى بروكسل. لكن النهج الذي يعتمده المجتمع الدولي تجاه الملف لا يبدّد المخاوف.
الركيزة الأساسية لتسوية الملف هي وقف الحرب في سوريا. وبعد ذلك، سيكون ممكناً الدخول في مفاوضات عسيرة، قد تستغرق سنوات، لإعادة ما يمكن إعادته من السوريين إلى بلدهم… ومن الحتمي أن يشارك فيها الرئيس بشّار الأسد، وأن يعترف به المعنيون بالملف، وبينهم لبنان.

التغيير الديموغرافي
ولا أحد يضمن شيئاً من النتائج في أية حال، خصوصاً إذا كان الأسد يلعب ورقة قوية هي وجود ربع سكان سوريا في خارجها، وربع آخر تائه في داخلها، فيما النصف الباقي تحت السيطرة.
توحي المسارات الاستراتيجية في الشرق الأوسط أن الديموغرافيا السورية قيد التغيُّر، ومعها ديموغرافيات عديدة: ماذا عن لبنان في هذه الحال، وماذا عن الأردن ذي الغالبية من أصل فلسطيني أساساً، وماذا عن العراق واليمن، وعن تركيا ربما؟
لذلك، هناك خوف حقيقي في لبنان من تَحوُّل لبنان مخيماً كبيراً للنازحين. وفي كواليس السياسة كلام خطِر لا يجروء أحد على المجاهرة به: إذا شاءت الظروف أن تتغيَّر سوريا ديموغرافياً، فماذا سيكون وضع لبنان؟
في لبنان، اليوم، ومن دون احتساب الزيجات المبكرة والولادات الكثيفة في البيئة النازحة، نحو مليونين ونصف المليون سوري وفلسطيني، غالبيتهم في مناطق ذات طابع معين. وقد يتسبب ذلك بخلل ديموغرافي كبير على المستوى الوطني، له الكثير من التداعيات.
ففيما ينخرط بعض اللبنانيين في القتال مع الأسد وضده في سوريا، سيكون بديهياً أن يذهب اللبنانيون نحو خيارات حسّاسة، في ظل المتغيرات السورية المحتملة: فهل يكون لبنان كلّه حليف الأسد أو يتوزّع اللبنانيون خياراتهم الديموغرافية انعكاساً لتوزّع الخيارات في سوريا؟
هنا يظهر الخطر الكبير على لبنان، نتيجة أزمة النازحين. فهل استفاق تجار النزوح الذين لطالما صمّوا آذانهم وتعاطوا مع القضية باعتبارها مجرد حفنة من الدولارات؟ سؤال للتاريخ.
بعد أكثر من عام على مؤتمر لندن، عقد في الخامس من نيسان/ابريل في بروكسل المؤتمر الدولي الخاص لعرض ملف المساعدات لسوريا ودعم السوريين في داخلها وفي الدول المجاورة. وقد دعا إليه الاتحاد الأوروبي وشاركت الأمم المتحدة في رئاسته. وحضر لبنان المؤتمر بوصفه إحدى الدول المضيفة للاجئين في الشرق الأوسط. وترأس الوفد اللبناني رئيس الحكومة سعد الحريري الذي حمل تقريراً إلى المؤتمر، هو ثمرة اجتماعات تنسيقية مع الوفد الوزاري والوزراء الذين يشاركون في اللجنة المختصة.
ويمكن وضع قضية النازحين السوريين في لبنان ضمن ثلاثة مستويات: الأمن، المساعدات والإحصاء، حيث إن الرقم الذي أوردته المفوضية العليا لشؤون النازحين أواخر العام 2014 يؤشر إلى مليون و38 ألف لاجئ، لكن المعلومات الرسمية وغير الرسمية تتحدث عن مليون ونصف المليون نازح، وهو الرقم الذي كانت المفوضية نفسها قد توقعت بلوغه مع نهاية العام 2014.

تعذر الاحصاء السليم
فالأمن العام اللبناني ووزارة الداخلية يمتلكان أرقاماً تتعلق بتسجيلات السوريين لديهما. لكن مشكلة التدقيق تكمن في أن الكثير من السوريين لا يسجلون إقاماتهم أو يجددونها، عدا عن الدخول غير الشرعي، وعثرات أخرى تعترض عملية الإحصاء الدقيقة للنازحين. كما هناك أزمة حقيقية تتعلق بعدم تسجيل الولادات السورية، سواء في المستشفيات أو في عيادات القابلات القانونيات، أو في المخيمات وأماكن سكنهم. وهذه الولادات، بحسب معطيات غير رسمية، تتزايد بشكل مطرد منذ سبعة أعوام.
وتتحدث بعض المعطيات عن نحو خمسين ألف ولادة سنوياً، لا يسجلون كسوريين، والخشية أن يتم تسجيلهم لاحقاً كمكتومي قيد، فضلاً عن الزيجات المختلطة مع لبنانيات والتي لا تسجل أيضاً. وهذا أمر تستوجب معالجته عبر الأجهزة المعنية. وقد طرحت اقتراحات عدة لإجراء عملية إحصاء شاملة للنازحين، مع توفير كامل المعطيات حولهم من خلال مراكز الخدمات التي تنتشر على كامل الأراضي اللبنانية ويفوق عددها المئتين، إضافة الى أن وزير الشؤون الاجتماعية الحالي بيار أبو عاصي اقترح القيام بإحصاء بيومتري أي إعطاء النازحين بطاقات ذكية تتضمن كل المعطيات، بما في ذلك بصمة العين.
وعوّل أبو عاصي الذي شارك في الوفد الوزاري على الموقف اللبناني الموحد من هذه القضية، علماً بأن الحكومة، وخلافاً للحكومة السابقة، تتعامل معها بخطاب سياسي واحد، وبمركزية قرار عبر الأقنية الرسمية واللجنة الوزارية التي تضم ثماني وزارات، والوزارات المختصة، ولا سيما الشؤون الاجتماعية، وبخطة عمل متكاملة وورقة سياسية كاملة تنص على ضرورة تقديم المساعدة الإنسانية للنازحين ودور المجتمع الدولي في تقديم هذه المساعدة، لأن لا قدرة للبنان على مواجهة هذه الأعباء، وضرورة دعم المواطنين المحتاجين كافة، ودعم المجتمعات المضيفة للاجئين محلياً، عبر خدمات محلية كتأمين البنى التحتية. ويطلب لبنان هبات أو قروضاً ميسّرة وبفوائد مخفضة جداً لإعادة تأهيل البنى التحتية التي لم تعد تستوعب متطلبات اللبنانيين والسوريين معاً.
وإعادة تأهيل البنى التحتية، بحسب خطة الحكومة، تشمل كل لبنان، وكل القطاعات من مياه وكهرباء وصرف صحي وجسور وطرق، بقيمة عشرة مليارات دولار على مدى ثماني سنوات. ومن شأن هذه الخطة أن تحرك الاقتصاد اللبناني وتوفر فرص عمل للبنانيين، وتساهم في إحياء كل المناطق التي تستضيف نازحين سوريين.
ويدعو لبنان المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة التي لا تمر بالأقنية الرسمية وهي تقدم مساعدات تعتبر جيدة بمعيار الإغاثة. إلا أن مؤتمر بروكسل ليس مؤتمراً للدول المانحة، بل هو محطة انطلاق تساهم في تحفيز المانحين عبر وضع هذه القضية على الطاولة بجدية، ويجب توجيه الأنظار نحو ما بعد بروكسل لعقد مؤتمر دولي يخصص لتأمين المساعدات، على أن يكون المؤتمر مخصصاً لهذه القضية ولا يكون مؤتمراً جانبياً يعقد على هامش أي مؤتمر دولي. وقال: المجتمع الدولي يراقب بدقة موضوع الشفافية ومكافحة الفساد، وهذا الأمر يجب أن يتصدر الاهتمام اللبناني.

تحذيرات وزير النازحين
يقدّر وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أن لبنان يستضيف أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، ما يعني زيادة في عدد سكانه بنسبة ٣٧%، إضافة الى إستضافته 400 ألف لاجئ فلسطيني شكلوا في فترة معينة أكثر من 10في المئة. وهذا معناه أن شخصاً من أصل ثلاثة أشخاص مقيمين حالياً في لبنان هو لاجئ، ما يجعل لبنان أصغر دولة مع أعلى نسبة للاجئين مقارنة مع عدد السكان.
ويقدر المرعبي أن لبنان المنهك بأزمات الداخل والخارج يحتاج اليوم الى 10 مليارات دولار أميركي ليعوّض التدهور الناتج عن الست سنوات الأخيرة. وأنه يعاني شعوراً من اليأس، عززته الأزمة السورية التي طال أمدها جداً وأدت إلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص، أي نصف سكان سوريا. وخلال مشاركته في مؤتمر هلسنكي في شأن أزمة النزوح السوري، مطلع العام الجاري، سأل: ماذا يمكن أن تفعله زيادة مفاجئة في عدد السكان كهذه بأية دولة؟ فماذا لو حدث ذلك في فنلندا التي يبلغ عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة أي أكثر بقليل من سكان لبنان؟ ماذا لو ازداد عدد السكان ٣٧%؟ وكيف الحال بالنسبة إلى لبنان الذي لم يكد أن يخرج من حرب أهلية دامت 15 عاماً ليدخل مباشرة في اضطرابات أمنية وسياسية لا تتوقف؟
الأرقام اللبنانية مخيفة: هناك خسائر تتجاوز ال 15 مليار دولار أميركي نتيجة الأزمة. ووصل مستوى الدين الوطني إلى 75 مليار دولار، مع تجاوز نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 150 في المئة، ما يجعله واحداً من أعلى المعدلات في العالم. وانخفض النمو الاقتصادي من متوسط قدره 8 في المئة قبل الأزمة إلى ما متوسطه 1 في المئة خلال الأزمة، وإلى مستويات غير مسبوقة من البطالة المباشرة حوالى 25 في المئة ، خاصة بين الشباب 36 في المئة، وهناك ضغط هائل على الخدمات العامة.
وهناك فيضان نازحين الى لبنان يتسبب بمزيد من الفقر، وخاصة في مناطق الأطراف الأكثر فقراً، وثمة قرى في لبنان على الحدود مع سوريا، تستضيف أعداداً من السوريين أكثر من عدد سكانها، وابرزها عرسال التي تعاني مباشرة من تدفق المشاكل الأمنية من الحرب المجاورة، وهي تحت خطر مستمر من الهجمات الإرهابية، ويبلغ عدد سكان عرسال 35 ألفاً وهي تستضيف حاليا حوالى 100 ألف نازح سوري. والواقع نفسه ينسحب على الحدود الشمالية في محافظة عكار، التي تشكل ١٠% من مساحة لبنان وتعاني من أعلى معدلات الفقر، وأعلى عدد سكان في البلاد، وأعلى هجرة داخلية، وتكاد تخلو من البنية التحتية، مع عدم وجود طرقات مناسبة، وشبكات مياه حيث أقل من ٨% من المنازل تحصل على المياه، ولا وجود لجامعة وطنية. وأما المستشفيات فلم يعد فيها ما يكفي من الأسرّة حتى لاستقبال المواطن اللبناني. فأبناء عكار كانوا أول من استضاف النازحين السوريين في بيوتهم. وما زالوا. إلى أن أصبح عدد الضيوف السوريين يوازي عدد السكان اللبنانيين. ويقول المرعبي: إن حالة الطوارئ تحوّلت أزمة ممتدة. وهذا أمر يحتاج إلى التفكير على المدى البعيد وإيجاد حلول طويلة الأمد.
ومن هنا تأتي خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2017 – 2020، التي تستهدف 3.3 ملايين نسمة، وتطلب من المجتمع الدولي 2.8 مليار دولار للاستجابة للاحتياجات الأساسية للمواطنين اللبنانيين، والسوريين والفلسطينيين. وفي السنوات الثلاث المقبلة، سيحتاج لبنان إلى ما بين 8 و10 مليارات دولار من الإستثمارات الجديدة ليعوض فقط تدهور ال 6 سنوات الأخيرة، فيما التمويل التي تلقاه لبنان لا يزال من أدنى المعدلات، إذا ما أخذنا في الاعتبار عدد اللاجئين للفرد الواحد.
فقد تلقى لبنان أقل من نصف الاحتياجات الأساسية للعيش، المحددة في النداءات السنوية. ففي العام 2014 حصل على ٤٧% من حاجته. وفي العام 2015 حصل على ٥٤%. وفي العام 2016 تلقى فقط ٤٦%.
المنتظر من بروكسل
وينتظر لبنان من مؤتمر بروكسل تحصيل موافقة عالمية، وتحديداً غربية، على ضمانات وحلول لأزمة النازحين فيه تتناسب مع خصوصية وضعِه الديموغرافي الذي يُحتّم عليه التحرّك لحماية توازناته على المديَين المتوسط والبعيد، خصوصاً أنّ النزوح السوري بدأ ينتج مساراً تراكمياً من الحالات الديموغرافية داخل بنيته السكّانية تهدّد استقراره الميثاقي الداخلي.
ويريد لبنان من المؤتمر إيجاد آليات تدمج بين تمويل عملية النزوح السوري فيه وبين إعادتهم إلى بلدهم. وبمعنى آخر، أن يتمّ صرفُ أموالِ المانحين المخصّصة لإيواء النازحين السوريين في لبنان، ليس على عملية استيعابهم في داخله، بل على إنشاء ملاذات لهم داخل مناطق في سوريا، لا تشهد قتالاً بين النظام والمعارضة. ولكن، مِن وجهة نظر الدول المانحة، يصعب الاستجابة لهذا الطلب لأنّ فكرة إنشاء المناطق الآمنة في سوريا لا تزال غير واضحة، كما أن هناك صعوبة في تحديد أمكنة بعيدة عن القتال تتمّ إعادة النازحين إليها. وخطة الدول المانحة تقضي بإبقاء النازحين في دول الجوار السوري منعاً لتسرّبهم إلى الدول الأوروبية وجعلِهم نازحين منتجين، أي بناء حيثيات اقتصادية لهم.
الخلل الديموغرافي
وما يزيد المخاطر هو التقارير الرسمية عن وجود 120 ألف حالة ولادة حصلت في السنوات الست الأخيرة داخل بيئات النزوح السوري في لبنان، وجميعها غير مسجّلة لا في لبنان ولا في سوريا. وهؤلاء قد يتحوّلون في المستقبل القريب الى مجتمع من مكتومي القيد يضاف الى ملف المكتومين اللبنانيين، في حال لم تعترف الدولة السوريّة بهم لسبب من الأسباب. كلّ عام يولد 23 ألف طفل لبناني في مقابل 50 ألف طفل نازح سوري في لبنان، لا يتمّ تسجيلهم في دوائر القيد السورية ولا اللبنانية.
وتشير إحصاءات وزارة الصحة، وفق الطبيب المشارك في دائرة التوليد والأمراض النسائية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فيصل القاق، الى أن عدد الولادات في لبنان بلغ 69948 لبناني، و39269 غير لبناني معظمها لسوريين لكون أرقام وزارة الصحة العامة لا تشمل الفلسطينيين في العام 2015. وتشير التقارير الى أن نسبة 70 في المئة من النازحين السوريين هم من النساء والأطفال.
وتبيّن تقارير البنك الدولي أن معدل الولادة Birth rate بلغ ١٥ على 1000 في لبنان في العام 2014 بينما كان 38 على الألف في العام 1960. أما في سوريا فمعدل الولادة كان 48 على ألف في العام 1960 وانخفض إلى 23 على ألف في العام 2014. وتشير العمليات الحسابية، وفق القاق، الى أن معدل الولادة عند النازحين السوريين في لبنان يبلغ تقريباً 33 على ألف، ما يعتبر رقماً مرتفعاً.
وقام فريق من الباحثين من كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت بدراسة أظهرت أن أسباب انخفاض استخدام وسائل منع الحمل بين النازحين ترتكز إلى عدم تشجيع الرجال للنساء على استخدام هذه الوسائل، تخوّف الزوجة من أن يقوم الرجل بالزواج بأخرى، موت الأطفال في الحرب وفكرة التعويض بإنجاب أطفال آخرين، وفكرة أن الحرب السورية لن تطول وأن الأهل يستفيدون من الخدمات الطبية المتوافرة في لبنان للإنجاب قبل العودة الى سوريا. كما أن طبيعة المناطق الريفية التي ينحدر منها النازحون تغيب عنها ثقافة استخدام وسائل منع الحمل.
وتبيّن دراسات أخرى ارتفاع الزواج المبكر عند النازحين، وإظهار النازحات الصغيرات في السن المتزوجات رغبة كبيرة في الإنجاب كدليل على الخصوبة. وتغطّي مفوضية اللاجئين نسبة 85 في المئة من كلفة الفحوص الطبية و75 في المئة من كلفة الولادة، فيما المكمّلات الغذائية مجانية.
اليد العاملة ومستقبل الشباب
ويتفاقم الخطر الإقتصادي للنزوح السوري. فالأعداد الهائلة من النازحين باتت قنبلة فجّرت سوق العمل اللبناني، حيث آلاف الوظائف تطير سنوياً من أيدي اللبنانيين، فيما المسؤولون اللبنانيون غافلون عن التداعيات السلبية.
فقد قامت شركات لبنانية بصرف عمالها اللبنانيين، الذين ربما يستحيل عليهم أن يجدوا أعمالاً أخرى في هذه الظروف الصعبة، وجرى استبدالهم بسوريين من ذوي اليد العاملة الرخيصة. والملاحظ أن الشركات الخدماتية هي التي تقوم بهذا العمل بالدرجة الأولى، تليها الشركات الزراعية وفي المرتبة الأخيرة الصناعية.
وبعدما كانت الوظائف التي يحتلها السوريون في لبنان تقتصر على الوظائف التي تتطلب مجهوداً جسدياً بدون مهارات عالية، بات الأمر منذ أكثر من عام يتعلق بوظائف ذات مهارات عالية، وتقوم بعض الشركات اللبنانية التي تعمل في مجال البناء والتي أصبحت تُسند أعمالاً هندسية إلى سوريين، أو صيدليات تُسند عملية البيع إلى سوريين وسواها.
فوق ذلك، العامل السوري والأجنبي عامة لا يُنفق مدخوله في لبنان بل يعمد إلى إرسال الأساس منه إلى ذويه في الخارج. وتقول أرقام البنك الدولي إن التحاويل التي قام بها العمّال العرب العاملين في لبنان إلى الخارج إنحصرت بشكل أساسي بثلاث جنسيات: مصر، فلسطين، وسوريا.
ووفق الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، يأتي العمال المصريون على رأس اللائحة مع 502 مليون دولار، يليهم الفلسطينيون ب300 مليون دولار، وفي المرتبة الثالثة يأتي السوريون مع 282 مليون دولار. إلا أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع بدقّة وخصوصاً في حالة السوريين من ناحية أن التحاويل لا تمرّ بالضرورة بالأقنية المصرفية، بحكم القرب الجغرافي مع سوريا، وبالتالي فإن هذا الرقم لا يعكس إلا نسبة صغيرة من الأموال التي يُحوّلها العمال السوريون إلى سوريا. هذه الأموال تخرج من الماكينة الإقتصادية اللبنانية من دون أية إستفادة بحكم أن إستهلاكها في لبنان كان ليكون له تداعيات إيجابية على الإقتصاد اللبناني، خصوصاً أنها كانت لتزيد الإستثمارات. لكن للأسف الوضع مغاير.
وفي المقابل، يتخرّج من الجامعات اللبنانية كل عام ما يزيد عن 16000

طالب ليجدوا أمامهم سوق عمل لا يتوفر فيه أكثر من 3000 فرصة عمل. وهذا الواقع يدفع إلى الهجرة نحو الدول العربية والغربية بحثاً عن لقمة العيش وسعياً وراء تجميع رأسمال يسمح لهم بشراء شقة سكنية والزواج. وهذا الواقع الأليم ما هو إلا نتيجة ضعف الماكينة الإقتصادية اللبنانية التي ولضعف الإستثمارات لا تستطيع توفير فرص عمل ل 16000 خرّيج بحكم أن الوظائف بقسم كبير منها لا يتطلبّ مهارات عالية، وبالتالي من السهل إستبدال العامل اللبناني بآخر سوري وبكلفة أقلّ.
وبالنظر إلى البيانات التاريخية لعدد النازحين السوريين ونسبة البطالة في لبنان، نرى أن النزوح السوري الكثيف أرخى بثقله على سوق العمل في لبنان، وبالتالي زادت البطالة بشكل نوعي، خصوصاً في العام 2014 و2015 بعد موجة النزوح الكبيرة بين 2013 و2014.
وتداعيات النزوح تظهر بفارق في الوقت بحكم أن النازح لا يبدأ العمل مباشرة عند وصوله إلى لبنان وقد يضطر إلى التنقل داخل لبنان ليجد فرصة عمل. وهنا، لا بد من القول إن العمال السوريين يتنافسون في ما بينهم على الوظائف، خصوصاً المؤقتة. أما حكومياً، فدعوة وزير العمل السابق سجعان قزّي إلى مقاطعة الشركات التي توظف عمالاً أجانب أكثر من اللبنانيين، مُحقّة، لكنها غير قابلة للتطبيق. فاللبناني متواطئ في قضية العمالة الأجنبية ويوظّف سورياً لأي عمل يحتاج إلى القيام به مع الحجّة الدائمة بأن العامل السوري أقلّ كلفة. وفعلياً نرى أنه بإستثناء القرار الذي إتخذه قزّي، لا يوجد أي إجراء حكومي يسمح بلجم العمالة الأجنبية التي في مُعظمها غير مُصرّح عنها، وتدخل تهريباً عن طريق سوريا وتعمل على الأرض اللبنانية من دون حسيب أو رقيب.
وعمل اللبناني هو أساسي للماكينة الإقتصادية اللبنانية لأنه قسم منها. وعدم عمل اللبناني يضرب الإستهلاك والإستثمار، وبالتالي يمنع النمو. لذا، آن الآوان أن تعمد الحكومة إلى القيام بإجراءات أكثر ارتكازاً إلى الدراسات.

عكار تصرخ
ويؤكد رئيس جمعية تجار محافظة عكار إبراهيم الضهر أن الواقع الحالي أسوأ بكثير مما كان عليه في 2015- 2016. ووفقاً لدراسة مفصلة أعدتها الجمعية عن الأوضاع الاقتصادية في عكار في تلك الفترة، تبيّن أن نسبة البطالة ناهزت ال 75 في المئة، فيما وصلت نسبة المؤسسات التجارية المتعثرة جراء الوضع الاقتصادي المتردي الى 80 في المئة. وساهم في تردي الأوضاع افتتاح عشرات المؤسسات التجارية غير المرخصة التي تعود لنازحين نقلوا أشغالهم الى المنطقة عقب اندلاع الأزمة السورية.
وأحصت القوى الأمنية افتتاح نحو 200 مؤسسة تعمل في مختلف المهن الألبسة، الخياطة، الملاحم، صالونات الحلاقة، الميكانيك، المحامص، محال الحلويات، الحبوب، البهارات…. كما زادت مزاحمة العمال السوريين لأقرانهم اللبنانيين في سوق العمل أوضاع العائلات العكارية فقراً. ولفت الضهر الى أن الاجراءات التي تقوم بها الوزارات المعنية شكلية، والتجار يسعون باستمرار لحث هذه الوزارات على الإصغاء لمطالبهم المحقة، متسلحين بقرارات وزارة العمل التي تمنع الأجنبي من العمل. إذ من غير المنطقي أن يدفع التاجر اللبناني كل المستحقات المترتبة عليه للدولة اللبنانية من ضرائب وغيرها، في حين تفرّخ عشرات المؤسسات السورية يومياً من دون أية رقابة، مشيراً الى عشرات الشكاوى التي وصلت الى وزارة الاقتصاد من دون أن تلقى أي رد أو اهتمام.
والأزمة المستجدة بين بعض بلديات عكار والنازحين تخفي أكثر مما هو مطروح في العلن عن سعي لإغلاق مخيمات. فقد تضمنت قرارات بعض البلديات تصريحاً واضحاً بعدم قدرتها على ممارسة سلطة الرقابة لمعرفة ما يجري أمنياً وأخلاقياً في تجمعات النازحين. وتحدث رئيس بلدية خربة داود سعد الدين سعد الدين عن إقدام جمعية التنمية والبر الخيرية على اعتراض المنظمات الدولية وعدم السماح لها بدخول المخيمات وإعاقة عمل البلدية لناحية مراقبة عمل الجمعيات والمراقبة الأمنية، متسائلاً: كيف للسلطة المحلية أن تتحمل مسؤوليتها وهي لا تعلم بما يجري في مخيمات النازحين الستة في البلدة؟ فيما أشار رئيس بلدية البيرة محمد وهبي إلى خطر اجتماعي يهدد البيئة الحاضنة المضيفة.
وفي وادي خالد، يقارب عدد النازحين نصف عدد السكان، فيما فاقت أعدادهم اللبنانيين في الكثير من البلدات كالهيشة ورجم خلف وحنيدر والكنيسة. ويلفت رئيس اتحاد بلديات المنطقة الدكتور فادي الأسعد إلى أن قرى الوادي وبلداته فتحت بيوتها للضيوف المثقلين بآلامهم… لكن أبناء الوادي أنفسهم ساءت أوضاعهم أكثر من ضيوفهم الذين يجدون في كثير من الأحيان بعض العون وإن كان غير كاف. فقلة العمل أدت الى تقلُّص مداخيل بعض العائلات، وانعدامها عند البعض الآخر. ويقدر الأسعد نسبة البطالة في الوادي ب 95 في المئة، ما يفرض على الدولة إعلانها منطقة منكوبة.
النقمة بدأت تعلو في كل المناطق اللبنانية، ولدى كل الفئات، فهل مَن يسمع ويتصرَّف قبل خراب البصرة؟