• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

كيف يجري «التلاعب بالعقول» للتأثير على طريقة التفكير في بعض القضايا؟

ديسمبر 11, 2020

رغم أن مصطلح «التلاعب بالعقول»، كان يشير حينما جرى نحته للمرة الأولى، إلى كراهية المرأة وإساءة معاملتها عاطفيا، بات من الواضح أن عدد من يعانون من هذه الظاهرة منّا الآن، أصبح أكبر بكثير مما قد ندرك.
ربما يكون مصطلح «التلاعب بالعقول» مألوفا بالنسبة لك، في سياق العلاقات الثنائية بين الناس. لكن هذا الأسلوب الهادف للتحكم في الآخرين، يمكن أن يكون مؤثرا أيضا، إذا ما مورس مع مجموعة من الأشخاص، وليس بشكل فردي، وهو ما يصفه بعض الخبراء، بـ «التلاعب بالعقول على نحو بنيوي».
فهل صادفك يوما ما، من قال لك شيئا دفعك للتشكك في قوة ذاكرتك؟ وهل يا تُرى اقتنعت بذلك، بعدما علمت أنه كان يفعل ذلك، لـ «التلاعب» بك لا أكثر؟.
على أي حال، فقد تزايد على مدار السنوات القليلة الماضية وبشكل كبير استخدام مصطلح «التلاعب بالعقول»، للإشارة إلى هذه الظاهرة. ومع أن ذلك المصطلح دخل القواميس قبل أكثر من نصف قرن، فإن الازدياد المتسارع في استخدامه بدأ نحو عام 2013، ولم يتباطأ منذ ذلك الحين.
من حيث التعريف، يعني «التلاعب بالعقول»، التأثير في شخص ما، لدفعه للتفكير في أنه مخطئ حتى حينما يكون مُصيبا. ويمثل ذلك ضربا من ضروب إساءة معاملة الآخرين عاطفيا، ويمكن استغلاله لجعل ضحيته يتشكك في مدى سلامة قدراته العقلية.
وقبل عقود من اختيار هذا المصطلح ليكون المفردة الأكثر انتشارا في عام 2018، شاع استخدامه بين العاملين في المجال الطبي. وقد اشْتُق من اسم فيلم عُرِضَ عام 1944، ودارت أحداثه حول رجل يقنع زوجته، بأنها في سبيلها إلى الجنون. ومع أنك قد تكون قد سمعت هذا المصطلح للمرة الأولى في سياق علاقات مثل هذه؛ فإنه موجود في واقع الأمر، في الكثير من جوانب حياتنا اليومية.
وفي وقت يمكن أن يوحي فيه الأصل الذي اسْتُمِدَ منه هذا المصطلح، بأنه يتناول أسلوبا لا يستخدمه سوى خبراء في التلاعب بعقول الآخرين، فإن المعطيات تفيد بأن الكثيرين منّا، ربما يمارسونه دون حتى أن يدركوا ذلك.
وتقول شيريل ميور، خبيرة التدريب على إقامة علاقات اجتماعية صحية وسليمة في المملكة المتحدة، إن التلاعب بالعقول يمكن أن يحدث في مكان العمل، أو بين أفراد الأسرة أو في إطار علاقات حب عذري، وكذلك في سياق العلاقات الرومانسية. وفي بعض الأحيان، لا يمارس البعض هذا الأسلوب معك، بدافع شرير أو لإيذائك عمدا»، وإنما لافتقارهم إلى «الإدراك الذاتي»، وهو معرفة كل منهم بشخصيته ومشاعره ودوافعه ورغباته، وفهمه لكل ذلك أيضا. وأشارت ميور إلى أن أشخاصا مثل هؤلاء، ربما يمارسون «التلاعب بالعقول» معك، بدافع حمايتك من وجهة نظرهم.
فقد لاحظت الباحثة أن ذوي الأطفال الذين شاهدوا في منازلهم، وقائع تتضمن إدمانا للمشروبات الكحولية أو تعاطيا للمخدرات أو ممارسة للعنف المنزلي، قالوا لصغارهم في أغلب الحالات عندما واجهوهم بذلك، إن هذه الوقائع لم تحدث من الأصل. وتقول ميور إنه بالرغم من أن نوايا هؤلاء الآباء والأمهات ربما تكون حسنة، في ضوء أن الإنكار هنا، يستهدف حماية أطفالهم، فإن ذلك يجعلهم غير موثوق بهم في نظر أولئك الأبناء.
وتوضح بالقول: «هذا شكل من أشكال التلاعب بالعقول، ولذا فإذا كنت منذ نعومة أظفارك، غير قادر على الثقة في ما يقوله لك ذووك، فإنك ستشب عن الطوق، وأنت عاجز عن إبداء ثقتك في أي شخص آخر». كما يكشف ذلك عن أن الإنكار أسلوب شائع، من جانب من يسيئون معاملة الأطفال.
ومن بين الباحثين الذين يولون اهتمامهم لظاهرة العنف المنزلي؛ بيج سويت الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة ميشيغان، والتي ترى أن «التلاعب بالعقول» أمر متجذر بقوة في البنية المجتمعية، ومرتبط بشدة بعدم المساواة السائدة في المجتمع.
وتوضح سويت أن هذا التفاوت يجعل النساء أكثر عرضة للمرور بتلك التجربة، سواء في مكان العمل أو في المنزل. وتشير في هذا الصدد إلى أن «الافتراض الخاص بأن النساء عاطفيات بشكل مفرط، ويتسمن بالحساسية واللا عقلانية في تصرفاتهن، ويسهل أن يفقدن السيطرة على غضبهن، والصور النمطية السائدة كذلك في هذا الإطار، يُستخدمان كذريعة لتبرير رفض مشاعر أولئك النسوة وتجاربهن». وتشير إلى أن الصور النمطية التي تُلصق بالنساء اليوم، تتذرع بالجانب العاطفي لديهن، للقول إنهن لا يتمتعن بالكفاء اللازمة.
أما النساء ذوات البشرة السوداء، فيعانين من صورة نمطية، تفترض أنهن قويات وغير قابلات للكسر، وهو ما يقود كما تقول صوفي ويليامز مؤلفة كتاب تحت الطبع بعنوان «أبناء جيل الألفية من ذوي البشرة السمراء» إلى أن يتوقع الآخرون أنهم غير مضطرين، لمحاولة مد يد العون والمساعدة لهن. وتوضح الكاتبة بالقول: «لا تعد الصحة العقلية من بين المسائل التي تُناقش بصراحة وصدق في أوساط السكان من ذوي البشرة السمراء، وهو أمر يتغير الآن. لكن ثمة صورة ذهنية سائدة، تفترض أن السيدة سوداء البشرة لا تنكسر ولا تحتاج إلى مساعدة.
وفي هذا الإطار، يستخدم الباحثون الآن مصطلح «التلاعب بالعقول»، للحديث عن نهج يتم من خلاله الإبقاء على وضع في المجتمع «مؤيد للبيض ومناوئ للسود»، وذلك من خلال وصم من يقفون في وجه الأفعال ذات الطابع العنصري بأنهم «غير أسوياء نفسيا».
وتقول صوفي ويليامز إن افتراض أنه ليس بوسع النساء سوداوات البشرة، طلب المساعدة النفسية، بدعوى أنهن أكثر قوة مما هن عليه بالفعل، يجعل مواجهة مثل هذا النوع من العنصرية، أمرا أكثر صعوبة، موضحة أن ذلك يفضي إلى أن تتدهور أوضاع الصحة النفسية لأولئك النسوة بشكل خاص، برغم تحسنها بالنسبة للنساء بوجه عام، وذلك نظرا لعدم حصولهن على المساعدة الضرورية لهن. لكن هذا التدهور يحدث بشكل غير ظاهر.
وخلال فترة نشأتها، عانت ويليامز نفسها من «التلاعب بالعقول» الموجه لعرقية بعينها. رغم ذلك، فلم تكن على علم بطبيعة ما تتعرض له، حتى هذا العام. وتقول إن تعرضها لهذا الأسلوب، يجعلها وأترابها من المنتمين للعرق نفسه، يظهرون كأنهم أشخاص غير موثوق في صحة ما يروونه من أحداث حياتهم نفسها. وتضيف بالقول: «فلتتخيل العبء الذي يضعه ذلك على كاهلك؛ أن تمر بشيء ما ثم يُقال لك بعد ذلك، إن ما أحسست به غير صحيح. إنه لأمر مجحف بشدة، وغير مقبول بكل الأحوال».
وتشير إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها الولايات المتحدة تحت شعار «حياة السود مهمة»، والتي اندلعت بعد مقتل المواطن الأمريكي أسود البشرة جورج فلويد خلال اعتقال الشرطة له، تُظهر كيف تتضافر أساليب «التلاعب بالعقول» سياسيا وعرقيا جنبا إلى جنب، في أغلب الأحيان. إذ تقول ويليامز، إنه بعدما شاهد الناس المقطع المصور الذي يُظهر كيف فارق فلويد الحياة جراء وضع شرطي أبيض البشرة ركبته على رقبته، قال لهم المسؤولون إن الوفاة كانت بمثابة «حادث»، وهو ما يتعارض مع تفسيرهم الخاص لما رأوه بأعينهم. لكن تم توجيه تهمة القتل بعد ذلك، للشرطي المعني بالواقعة.
ومضت الباحثة قائلة: «استخدمت الاحتجاجات التي تلت ذلك بطريقة سياسية، وذلك لتصوير من خرجوا للمطالبة بتحقيق العدالة في هذه القضية، على أنهم مجرمون. إنه لأمر مدمر، أن يُستخدم أسلوب التلاعب بالعقول، من جانب من يتحملون مسؤولية ما، أو من يشغلون أحد المناصب، لأن ذلك يحرمنا من ممارسة حقوقنا، بالطريقة التي ينبغي أن يتسنى لنا بها ذلك».