• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

حرب لبنان 1982

يونيو 5, 2020

حرب لبنان 1982 وتسمى أيضا بغزو لبنان أو ما أطلقت عليه إسرائيل اسم عملية السلام للجليل وعملية الصنوبر هي حرب عصفت بلبنان فتحولت أراضيه إلى ساحة قتال بين منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا وإسرائيل. ترجع أسباب هذه الحرب إلى عدد من الأحداث التي جرت في الشرق الأوسط خلال السنين التي سبقتها، من اتفاق القاهرة الذي نظم وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان، إلى الحرب الأهلية اللبنانية.
بدأت المعارك في 6 حزيران 1982 عندما قررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها إلى المملكة المتحدة، شلومو أرجوف على يد منظمة أبو نضال، قامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة. انسحبت منظمة التحرير من بيروت بعد أن تعرّض ذلك القسم منها إلى قصف عنيف، وكان ذلك بمعاونة المبعوث الخاص، فيليب حبيب، وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية.
انتهت هذه الحرب بشكلها المعترف به في عام 1985 إلا أن آثارها ومخلفاتها لم تنته حتى مايو/ أيار من عام 2000 عندما انسحب الجيش الإسرائيلي وأعوانه فعلياً من جنوب لبنان. والجدير ذكره أن إسرائيل قد زجت في هذه الحرب ضعف عدد القوات التي واجهت بها مصر وسوريا في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.

خلفيات الحرب

في 3 نوفمبر 1969 تم التوقيع على هذا الاتفاق في القاهرة لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وقد أعطى الشرعية لوجود وعمل المقاومة الفلسطينية في لبنان. حيث تم الاعتراف بالوجود السياسي والعسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل لبنان، وتم التأكيد على حرية العمل العسكري انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. حمى هذا الاتفاق الفلسطينيين، من المحاولات المتعددة لنزع سلاحهم. لكن البعض اعتبره متعارضاً مع مبادئ سيادة الدولة اللبنانية ويتضمن بنوداً تتعارض وأحكام القوانين اللبنانية، ولم يكن لهذه الاتفاقية دور ملموس على الساحة العملية لتحسين العلاقات بين القيادتين اللبنانية والفلسطينية، ومن جانب آخر اعتبرت إسرائيل اتفاق القاهرة خرقاً للهدنة المعقودة بينها وبين لبنان سنة 1949.
أيلول الأسود في الأردن في شهر أيلول من عام 1970 م، تحرك الجيش الأردني بناء على تعليمات الملك حسين ومستشاريه العسكرين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية في الأردن، وفي نفس الوقت كانت القيادة في إسرائيل تخطط للقضاء على العمل العسكري المتزايد في الخارج عن طريق خلق شروخات بين المنظمات الفلسطينية بعضها ببعض أو مع الأنظمة العربية. ما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969 م كان هنالك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية. وأصبحت أعمال العنف والخطف والقتل تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت تُعرف عمّان في وسائل الإعلام العربية بهانوي العرب. وبعد عدّة مناوشات خرجت المنظمات الفلسطينية من المدن الأردنية كاملة إلى أحراش جرش وعجلون ثم عادت قوات الجيش الأردني واجتاحت تلك المناطق واستئصلت آخر معاقل منظمة التحرير الفلسطينية وباقي المنظمات وطردتهم إلى لبنان.

الحرب الأهلية اللبنانية

عام 1969، اقتتل الجيش اللبناني مع المسلحين الفلسطينيين والتي أدت إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين بامتلاك السلاح على الأرض اللبنانية من خلال ما عرف باتفاق القاهرة. وعام 1975، خرجت اضطرابات مختلفة في لبنان كان أخطرها مظاهرة الصيادين في صيدا والتي أدت إلى مقتل الزعيم معروف سعد. والعديد من المناوشات بين المسيحيين والفلسطينيين في مناطق مخيم تل الزعتر والكحالة. كما قام الفلسطينيين بالعديد من الأعمال العسكرية ضد إسرائيل مما جعل العالم يعتبر لبنان مرتعا للإرهابيين.
أما الشرارة الحقيقية لبدأ الحرب الأهلية اللبنانية كانت في 13 أبريل 1975 عندما قام مجهولون بمحاولة اغتيال بيار الجميّل رئيس حزب الكتائب. نجا الجميّل من المحاولة ولقى أربعة منهم اثنين من الحراس الشخصيين له. ردت ميليشيات حزب الكتائب على محاولة الاغتيال بالتعرض لحافلة كانت تقل أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة إلى مخيم تل الزعتر مروراً بمنطقة عين الرمانة. أدي الكمين الذي نصبه مقاتلي حزب الكتائب إلى مقتل 27 فلسطينياً. سميت الحادثة بحادثة البوسطة والتي كانت بمثابة الشرارة لبدء القتال في كل أنحاء البلاد.

دخول القوات السورية

كانت الولايات المتحدة قد أرسلت بالكثير من الإشارات لسوريا بموافقتها على التدخل السوري في الأراضي اللبنانية، ففي 21 كانون الثاني 1976 أعلن الناطق باسم البيت الأبيض:
«إن الرئيس جيرالد فورد تخلى عن معارضته لتدخل عسكري خارجي في لبنان، وإن الولايات المتحدة كان من الضروري عليها أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة سوريا.»
بعد حوالي الأسبوع في 29 كانون الثاني/يناير أعلن الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية:
«إن الولايات المتحدة تعترف بأهمية الدور الذي تقوم به سوريا، بالنسبة لتسوية الأزمة اللبنانية.»
ونقل عن هنرى كسنجر قوله: «الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان، ونحن شجعنا المبادرة السورية هناك، والوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية». وكان الهدف من دخول القوات السورية العمل على إخماد الحرب الاهلية ونزع سلاح المليشيات المتحاربة وحماية لبنان والحفاظ عليه. دخلت قوات الردع العربية إلى لبنان ووصلت إلى منطقة عكار في شمال لبنان، وبدخول يوم 1 يونيو/حزيران بدأت القوات السورية تسيطر على المواقع الإستراتيجية في سهل البقاع وتمركزت في العديد من الأماكن. نقلت وكالة الصحافة الفرنسية تصريحاً لموشي دايان في 5 يونيو/حزيران:
حرب لبنان 1982 إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب، حتى لو دخلت القوات السورية بيروت لأن دخول القوات السورية في لبنان، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل.
وكان دخول القوات السورية لحماية لبنان من الانقسام والحرب الأهلية التي كانت دائرة ويعتقد البعض أن التدخل السوري كان منسقاً أيضاً مع الموارنة، حيث صرح الرئيس اللبناني كميل شمعون في 16 يونيو/حزيران 1976: «لقد اتفقنا مع سوريا على خطط ترضينا». وفي 9 أغسطس/آب صرح من دمشق بقوله : «أنني أثق ثقة كاملة بالرئيس حافظ الأسد، وسوريا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فرض السلام في لبنان.» وفي 20 يوليو ألقى الرئيس السوري خطابه الشهير من مدرج جامعة دمشق معلناً أنه ليس بحاجة لطلب الإذن لدخول لبنان. حيث قال وقتها: «قررنا وبدأ الجيش بالدخول إلى لبنان، ولم نأخذ أذناً من أحد.»

عملية الليطاني

في الرابع عشر من مارس/آذار 1978، أقامت إسرائيل حزاماً أمنياً بمسافة عشرة كيلو مترات لحماية شمالها من هجمات الفلسطينيين. أدان مجلس الأمن هذه العملية مصدرًا قرار 425 الذي يطلب من إسرائيل الانسحاب الفوري غير المشروط من لبنان. تجاهلت إسرائيل هذا القرار، خاصة أنه لم يمارس عليها أي ضغط دولي أو أميركي أو حتى عربي.

خدعة الميليشيات

في فترة أواخر عقد السبعين وبداية عقد الثمانين، قسم لبنان فعلياً إلى مناطق نفوذ عسكرية موزعة بين السوريين والفلسطينيين والإسرائيليين والميليشيات اللبنانية المتعددة المتحالفة معهم. يصف تيمور غوكسل المتحدث باسم قوات الأمم المتحدة الوضع فيما يخص الإسرائيلين قائلاً:
«الإسرائيليون لم يسلموا المناطق التي احتلوها، وأخذوا يختلقون الأعذار، وأخيراً ابتكروا رائعة من الروائع، قالوا: نعم، انسحبنا ولكن ها هو الرائد حداد، إنه يسيطر على هذه المنطقة وهو صديقنا فلم نحتل أراضيه. ولكن عذراً، ألم تحتلوا البلاد؟! لا.. نحن لم نحتل منطقته، مررنا بها فقط لأنه صديقنا، نحن راحلون، تعمل مع الرائد حداد مَنْ؟ ها هو رائد لبناني غريب علينا التعامل معه ومعرفة خلفيته. كان ابن المنطقة وربما كانت نيته من أحسن ما يكون تجاه منطقته، ولكن كيف يفكر؟ لم نعرف طبيعة علاقته بالجيش اللبناني، كان يقول أنه عسكري لبناني، ولكن الإسرائيليين كانوا يدفعون راتبه، ثم يريدون من القوات الدولية أن ترتب الأمور.»
ثم يكمل واصفا الفلسطينيين
كان الفلسطينيون يتدخلون كثيراً في حياة الناس، كانوا منتشرين في كل مكان مدججين بالسلاح ومتعجرفين، اسميها عجرفة الكلاشينكوف، كان الكل يملك مدفعاً للطائرات، يبدو أنه كان لدى منظمة التحرير أموال طائلة، فلم أكن أصدق عيني، إذ كان المقاتلون يذهبون إلى السوق مصطحبين المدافع المضادة للطائرات. في إحدى المرات ذهبت من الناقورة إلى بيروت فمررت بأربعة عشر حاجزاً كلها للفلسطينيين باستثناء اثنين للجماعات اللبنانية المرتبطة بالفلسطينيين.
إلا أن الوضع على الأرض بالرغم من المناوشات اليومية بين الجميع كان جامداً، على شكل استنزاف مادي وبشري للميليشيات المختلفة، بدون تحقيق أي نتيجة، الأمر الذي دفعها لتغير الوضع بحيث تخرج من الجمود، كما عبر رودلف بوليكوفيتش، المستشار الإعلامي للرئيس كميل شمعون: «لا تلم أحداً بعد أن تضعه في زاوية، لا تلمه لأنه محشور، فأنت حشرته، السوريون حشرونا.» أعلنت ميليشيا القوات اللبنانية، بقيادة بشير الجميل، أنه لا يجوز الفصل بين مسيحيي البقاع والجبل، وتحركت من جبال كسروان إلى البقاع باتجاه مدينة زحلة. عنى البقاع كونه عمقاً إستراتيجياً لسوريا أن سوريا لا يمكن أن تسمح بهذه الحركة. استعملت سورية طائرات مروحية لقصف ميليشيا القوات اللبنانية المساندة من قبل إسرائيل، وفرضت حصاراً عليهم في مدينة زحلة التي تحصنوا فيها، وبدأت بقصفها بمشاركة الميليشيات المناوئة. وقام بشير الجميل بإرسال جوزيف أبو خليل، رئيس تحرير جريدة العمل التابعة للقوات اللبنانية وقت الأحداث، إلى الإسرائيليين لإقناعهم بمهاجمة القوات الجوية العربية السورية بخرقه الأجواء يعتبر أقدم على إعلان الحرب، مما قدم الذريعة لإسرائيل للتدخل كما قال مناحيم بيغن:
السوريون استخدموا حوامات زودهم بها السوفييت والفرنسيون. الجبل هو نقطة استطلاع أساسية يمكن منها قصف مدينة جونيه وهي الميناء الوحيد الذي يستخدمه المسيحيون، ولذا يكون بإمكان السوريين من وجهة النظر المسيحية- فرض حصار على لبنان. المسيحيون يواجهون الآن خطراً داهماً، ونحن ملتزمون أخلاقياً بإنقاذهم وسوف ننجدهم.
قام سلاح الجو الإسرائيلي بإسقاط طوافتين سوريتين. فجاء رد سوريا سريعا بإدخال صواريخ سام 6 المضادة للطائرات إلى سهل البقاع، دخل سلاح الطيران السوري لحماية الصواريخ وحصلت مناوشات جوية في أجواء لبنان. اعتبرت إسرائيل ما حصل خرقا لاتفاق الخطوط الحمر، واعتبرت سوريا أن تل أبيب كانت البادئة بخرق الاتفاق من خلال هجومها على القوات السورية.

الهدنة مع إسرائيل

في 10 يوليو/تموز 1981 وبعد فوز الليكود في انتخابات الكنيست في شهر يونيو/حزيران، قامت إسرائيل بشن غارات جوية عنيفة على عدة مواقع في جنوب لبنان، وفي 17 يوليو/تموز قصفت مراكز قيادة حركة فتح والجبهة الديمقراطية في بيروت الغربية. واستمر القصف إلى يوم 24 يوليو وذلك بعد صدور قرار من مجلس الأمن في 22 يوليو يطالب فيه بوقف فوري للهجمات المسلحة على لبنان. تم التوقف بناء على مساعي موفد الرئاسة الأمريكي، فيليب حبيب، بين منظمة التحرير وإسرائيل. حبيب كان واضحا بأنه في حالة حدوث أي مناوشة عسكرية مع إسرائيل أو أي اعتداء بالمفهوم الأميركي لإسرائيل فسيجري اجتياح كبير. بينما التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بالهدنة التي رعتها الولايات المتحدة وأمنت حدودا شمالية آمنة لإسرائيل. خرقت إسرائيل الهدنة 2777 مرة في الفترة بين عامي 1981 و 1982.

الشرق الأوسط الجديد

في نيسان/أبريل 1981 وفي أثناء زيارة إلى عدة دول في الشرق الأوسط، دعا وزير الخارجية الأمريكي ألكسندر هيغ إلى قيام شرق أوسط جديد. حيث قال:
«إن النزاع العربي الإسرائيلي يجعل بعضاً من أوثق أصدقائنا منقسمين على أنفسهم. والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لا يمكن حمايتها إلا بإستراتيجية لا تغفل تعقيدات المنطقة ولا التهديد بحدوث تدخل خارجي. والولايات المتحدة تعتبر عملية السلام، والجهود المبذولة لمواجهة التهديدات السوفييتية والإقليمية، تعزّز بعضها بصورة متبادلة، فإذا كان أصدقاؤنا العرب على استعداد أكبر لركوب المخاطر من أجل السلام مع الإسرائيليين فإن التعاون في مجال الأمن سيكون سهلاً، باعتباره تعاوناً ضرورياً لردع أي تدخل سوفييتي ولردع الدول العاملة لحسابه»
. جاء الرد من الرياض، في 7 أغسطس/آب 1981، بمبادرة الأمير فهد ولي العهد السعودي، المكونة من ثمانية مبادئ هي:
انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلت في العام 1967 بما فيها القدس العربية.
إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد العام 1967.
ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة.
تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت أشراف الأمم المتحدة ولمدة لا تزيد عن بضعة أشهر.
قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام.
تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
رفضت مصر المبادرة فوراً، وأعلنت عن تمسكها باتفاقية كامب ديفيد. وفي 9 أغسطس/آب، رفضها أيضاً مناحيم بيغن. وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيان جاء فيه:
«إن إسرائيل ترى في الاقتراح السعودي خطة لتدميرها على مراحل، وبموجب هذا الاقتراح فإن الاعتراف بإسرائيل تبعاً لذلك ليس سوى وهم. وأن هذه الخطة تناقض اتفاقية كامب ديفيد»
أعلنت المجموعة الأوروبية أن المبادرة تشكل أساسا للتفاوض، أما الولايات المتحدة فتجاهلت المبادرة ولم تتخذ أي موقف واضح منها. تباين الموقف العربي بين الرافض كسوريا والعراق، بينما أعربت دول أخرى عن الدعم. قيادة وكوادر حركة فتح داخل منظمة التحرير الفلسطينية، رفضتها بعنف،، حيث أعلن فاروق القدومي «إن الظروف غير مناسبة لحل سلمي، وإن الفلسطينيين يرفضون النقطة السابعة في المشروع رفضا قاطعا» إلأ أن ياسر عرفات دعم المبادرة حيث نقل عنه جورج حاوي، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، قوله: «استعدوا للضربة، ولقد أديتم بضغطكم هذا إلى موقف سيؤدي إلى رفع الغطاء العربي عنا، واللهم اشهد أني بلغت». قامت السعودية بسحب مشروعها في قمة فاس في نوفمبر 1981 وذلك إثر الضغوط التي مورست عليها. حيث قال الناطق الرسمي وقتها :
«نظراً لإيمان المملكة التام بأن أي إستراتيجية عربية يجب أن تحظى بالتأييد الجماعي لكي تستطيع دفع الموقف العربي إلى الأمام، فقد قام الوفد السعودي بسحب المشروع مؤكداً لمؤتمر القمة أن المملكة العربية السعودية على استعداد تام لأن تقبل أي بديل يجمع عليه العرب.»
يعتقد العديد من الباحثين أن إفشال المبادرة السعودية كان أساسيا لإتمام عملية غزو لبنان في العام الذي تلاها. حيث بدأت إسرائيل بالتحضير الفوري للعملية وانتظرت الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي.

الخلفيات المباشرة

كان الوضع في لبنان في بداية عام 1982 يشكل امتداداً لأوضاع الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975، وهي صراع مستمر بين كتلة اليسار اللبناني والمقاتلين الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة واللبنانيين اليمينيين من المسيحيين وحزب الكتائب اللبنانية وإسرائيل من جهة أخرى واستمر خلال النصف الأول من عام 1982 على شكل صراعات عنيفة بين هذه الأطراف.
في تموز 1981، تم إبرام وقف إطلاق نار بين إسرائيل وقوات منظمة التحرير الفلسطينية بإشراف فيليب حبيب. إلا أن الإسرائيلين كانوا قلقين من تجمع قوات منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان منذ وقف إطلاق النار والذي اعتبرته تهديداً لأمن حدودها الشمالية.
في 21 نيسان/ابريل 1982 قصف سلاح الجو الإسرائيلي موقعا لمنظمة التحرير في جنوب لبنان وفي 9 أيار/مايو 1982 قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالرد بقصف صاروخي لشمال إسرائيل وتلى هذا القصف المتبادل محاولة لاغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا، شلومو أرجوف في 3 حزيران/يونيو 1982 فقامت إسرائيل، وكردٍّ على عملية الاغتيال هذه، بقصفٍ لمنشأت ومواقع تابعة لمنظمة التحرير في قلب بيروت. في اليوم التالي من محاولة الاغتيال والقصف الإسرائيلي لبيروت، قامت منظمة التحرير بقصف شمال إسرائيل مرة أخرى وقتل في هذا القصف إسرائيلي واحد.