• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

الديناصورات منذ العصر الثلاثي حتى العصر الطباشيري (الحلقة 6)

يونيو 7, 2019

إعداد الجيولوجي: محمد حسين

رئيس مجلس إدارة شركة ABH Training & Supply

عاشت الطيور الحقيقية الأولى في زمن الديناصورات، وكانت مكسوّة بالريش ويصل حجمها لحجم الغراب، وكانت لها أسنان مثل أسنان الزواحف، كما كانت لها أذناب مثل أذناب السحالي، وهذه الأذناب كانت مغطاةً بالريش كذلك الأمر، وقد استدل العلماء على جميع هذه المعطيات من خلال عينة أحفورية تم العثور عليها سنة 1861 في جنوب ألمانيا تمثّل كائنًا شبيهًا بالسحالي إلا أن طبعات ريشه كانت شديدة الوضوح، فقال الخبراء أنه صلة الوصل والحلقة المفقودة بين الزواحف والطيور، وأطلقوا عليه تسمية «الطائر العتيق» (باللاتينية: Archaeopteryx؛ نقحرة: أركيوبتركس). ظهر هذا الاكتشاف بعد سنتين فقط من نشر تشارلز داروين مؤلفه العلمي «أصل الأنواع» (بالإنجليزية: The Origin of Species)، وقد أثار هذا الاكتشاف جدالاً حادًا جديدًا بين العلماء والأشخاص المؤمنين بنظرية التطور وأولئك المؤمنين بنظرية الخلق. إن هذه الكائنات شديدة الشبه بالديناصورات، لدرجة أن إحدى النماذج التي لا تظهر فيها طبعات الريش واضحة، أخطأ العلماء وقامو بتصنيفها على أنها تعود للديناصور مشذب الفك كومبسوغناثوس.

اكتشف العلماء عددًا كبيرًا من الديناصورات المريشة خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين، الأمر الذي دعم النظرية القائلة بأنها أسلاف الطيور بشكل أكبر. وقد عُثر على معظم هذه المستحثات في تكوين «تشيان» الصخري في منطقة لياونينغ، شمالي شرق الصين، التي كانت تُشكل جزءًا من جزيرة قاريّة خلال العصر الطباشيري. يقول العلماء أنه على الرغم من أن الديناصورات المريّشة هي بمعظمها ديناصورات طيريّة، فإنه يُحتمل أن تكون الديناصورات غير الطيريّة أو بعض أنواعها وفصائلها قد اكتسى بالريش. تنقسم الديناصورات المريّشة إلى فئتين: ذوات الريش البدائي، وذوات الريش النصلي، والأولى غير معروفة إلا من فصائل من قاعدة مجموعة العظاءات الحلقية ريشها نحيف ذي بنية خيطية، من شاكلة: الديناصورات مشذبة الفك (باللاتينية: Compsognathidae) وزاحفيّة الجناح الصينية (باللاتينية: Sinosauropteryx)، أما الثانية فهي معروفة من مجموعة ذات الأيادي السالبة وهي تشمل فصائل عديدة مثل كواسر البيض (باللاتينية: Oviraptorosauria) وجارحة الأسنان (باللاتينية: Troodontidae) والطيور المعاصرة. لم تنجو نظرية الديناصورات المريشة من الانتقاد اللاذع، فقد قال بعض العلماء أن آثار الريش البدائي ماهي إلا ألياف كولاجينية متحللة كانت تُشكل جزءًا من أهاب تلك الكائنات، وإن ذات الأيادي السالبة التي تظهر ارتباطًا وثيقًا بالطيور ليست ديناصورات على الإطلاق بل كائنات تطورت بشكل مواز للديناصورات، إلا أن هذا الرأي ما زال مرفوضًا من الأغلبية الساحقة من العلماء، لدرجة أن بعضهم يشك في مدى علميّة ما قيل.

الهيكل العظمي

تعدّ الديناصورات المريشة صلة الوصل بين الطيور والزواحف بما أنها تمتلك أبرز سمات الطيور المعاصرة، ألا وهي الريش. إلا أن البنية العظمية لكلا الأصنوفتين هي ما يمثل الدليل الحاسم على هذا الافتراض بالنسبة للعلماء، حيث أن هناك مواقع عديدة في الهياكل العظمية للطيور والديناصورات ذات شبه عظيم، ومنها: العنق، الحوض، المعصم، الذراع، الحزام الصدري، الفريقة، وعظم الصدر أو رافدة القص. يمكن التأكد من مدى وثق العلاقة بين الديناصورات والطيور عند مقارنة هياكلها العظمية من خلال تحليل ودراسة الأفرع الحيوية.

الأعضاء الداخلية

كان للديناصورات اللاحمة الكبرى نظام أكياس هوائية معقد شبيه بذاك الخاص بالطيور المعاصرة، وفقًا لدراسة قام بها الدكتور باتريك أوكونر من جامعة أوهايو، ويفيد الأخير بأنه يُحتمل أن تكون رئات الديناصورات الثيروبوديّة تنفخ الهواء في أكياس فارغة موجودة داخل هيكلها العظمي كما في حالة الطيور، حيث قال: «ما كان يُعتقد سابقًا أنه خاصيّة فريدة بالطيور ظهر بأنه كان موجودًا عند أسلافها القديمة». قام العلماء بوصف نوع جديد من الديناصورات في سنة 2008 أطلقوا عليه تسمية «الديناصور هوائي العظم» (Aerosteon riocoloradensis) وذلك في النشرة العلمية الإلكترونية PLoS ONE، حيث قالوا أن هيكله العظمي يقدم أفضل دليل حتى الآن على وجود ديناصورات ذات أعضاء تنفسيّة شبيهة بالأعضاء التنفسية عند الطيور، بعد أن أظهر التصوير المقطعي المحوسب لهذا الهيكل العظمي وجود أكياس هوائية في تجويفه.

من الأدلّة الأخرى التي يستدل بها العلماء على مدى قرابة الديناصورات والطيور، هي استخدام كلا الأصنوفتين لما يُعرف باسم «حصوات القانصة» أو «حصوات الأحشاء»، وهي الحصى التي تبتلعها الحيوانات لتساعدها على الهضم عبر طحن وتكسير الغذاء والألياف القاسية عن طريق تقلبها داخل المعدة، وقد عُثر على عدد من هذه الحصوات داخل بعض الأحافير للديناصورات والطيور القديمة على حد سواء.

البيولوجيا الإنجابية

أدّى اكتشاف بعض الخصائص الإنجابيّة في الهيكل العظمي للتيرانوصور إلى دعم النظرية القائلة بأن الديناصورات والطيور تطورت من سلف مشترك بشكل أكبر من السابق، كذلك سمح هذا الاكتشاف للعلماء أن يقوموا بتحديد جنس ديناصور لأول مرّة. تتخلص نتيجة هذا الاكتشاف بأن إناث التيرانوصور كانت تضع بيضها بطريقة مماثلة لطريقة الطيور، فإناث الطير تنمو لها غظمة مميزة بين القسم الخارجي الصلب من العظم ونخاعها، يُطلق عليها تسمية «العظمة النخاعيّة»، وهي عظمة غنيّة بالكالسيوم تُساعد في تكوين قشر البيض. وقد لاحظ العلماء وجود أنسجة عظميّة تبطّن التجاويف النخاعيّة في بعض أجزاء الطرف الخلفي من عينة التيرانوصور هذه، مما يعني أنه يُحتمل أن تكون قد استخدمت هذه الخاصية لوضع بيضها تمامًا كما تفعل الطيور.

أظهرت أبحاث أخرى وجود هذه العظمة النخاعيّة عند فصائل أخرى من الديناصورات مثل الألوصور والتينونتوصور، وبما أن مسار النشوء والتطور الذي سلكته الألوصورات والتيرانوصورات بعيد عن ذاك الذي سلكته التينونتوصورات، فإنه يمكن القول بأن جميع الأجناس والفصائل امتلكت عظمًا نخاعيًا. عُثر على هذه العظام في عينات يافعة لمّا تصل بعد إلى حجمها الكامل، مما يعني أن الديناصورات كانت تبلغ جنسيًا بشكل سريع مقارنة بغيرها من الحيوانات الضخمة.

السلوك

أظهرت إحدى المستحثات المكتشفة حديثًا ديناصورًا من جنس جارحة الأسنان ورأسه تحت يديه، وقد قال الخبراء أن هذه الوضعيّة ماهي إلاّ وضعية النوم، وبالتالي فإن هذا الحيوان بالذات نفق أثناء نومه، ويُلاحظ أن الطيور المعاصرة تنام في كثير من الأحيان ورأسها تحت جناحها، الأمر الذي يُساعدها على الدفء، لذا لعلّ هذه الخاصيّة السلوكيّة إحدى الخصائص التي توارثتها الطيور من أسلافها الديناصورات.

الانقراض

اندثرت الديناصورات غير الطيريّة من على وجه الأرض بشكل مفاجئ منذ حوالي 65 مليون سنة، ومعها اختفت مجموعات أخرى عديدة من الحيوانات، بما فيها: الأمونيتات، الزواحف السمكية، الزواحف الميزية أو الموزاصورات، البلصورات، والزواحف المجنحة أو البتروصورات، بالإضافة لأغلب أصناف الطيور وفصائل عديدة من الثدييات.[7] يُعرف حدث الانقراض الجماعي هذا باسم «حدث انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي»، وقد كان موضع جدال كبير للعلماء منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين؛ الأمر الذي وفّر عدد من النظريات المختلفة الموجودة حاليًا والتي تحاول تفسير ما حدث. أبرز هذه النظريات وأوسعها انتشارًا هي تلك المعروفة «بحدث الاصطدام» وتتلخص في أن كويكبًا ضخمًا ضرب الأرض وفتك بكثير من أشكال الحياة، إلا أن بعض العلماء يدعم نظريات أخرى، وبعضهم الآخر يقول بأن عددًا من العوامل من نظريات مختلفة تضافرت مع بعضها البعض وأفنت الديناصورات.

تغيّر المناخ

لم يكن هناك من قلنسوات جليدية عند القطبين خلال ذروة الدهر الوسيط، ويُقدّر العلماء أن مستوى البحر كان أعلى من مستواه الحالي بمقدار يتراوح بين 100 إلى 250 متر (300 إلى 800 قدم)، كذلك كانت درجات الحرارة أكثر تقاربًا من بعضها، حيث كانت الحرارة عند القطبين تختلف عن الحرارة عند خط الاستواء بفارق 25 °مئوية (45 °فهرنهايت)، أما درجات الحرارة في الغلاف الجوي فكانت أعلى من معدلها الحالي بكثير، ففي القطبين على سبيل المثال كانت درجات الحرارة تفوق معدلها الحالي بحوالي 50 °مئوية (90 °فهرنهايت).

كانت تركيبة الغلاف الجوي أثناء الدهر الوسيط مختلفة كذلك الأمر عمّا هي عليه اليوم، حيث كانت نسبة ثاني أكسيد الكربون أعلى بإثنا عشر مرة من معدلاتها الحالية، وتراوحت نسبة الأكسجين بين 32% و 35% من إجمالي مكونات الغلاف، مقارنة بنسبة 21% حاليًا. أخذت بيئة كوكب الأرض تتغير بشكل جذري خلال أواخر العصر الطباشيري، فتراجعت نسبة الثورات البركانية بشكل كبير، مما جعل حرارة الأرض تبدأ بالانخفاض تدريجيًا مع انخفاض نسبة ثاني أكسيد الكربون بالجو، كذلك أخذت معدلات الأكسجين تتراجع بشكل ملحوظ، وفي نهاية المطاف انخفضت بشكل عظيم. يفترض بعض العلماء أن التغيّر المناخي بالإضافة إلى انخفاض نسبة الأكسجين أدّى إلى تراجع أعداد الكثير من الأنواع، ولو كان للديناصورات أجهزة تنفسية شبيهة بأجهزة الطيور المعاصرة، فلعلّها واجهت وقتًا عصيبًا خلال هذه الفترة لعدم تمكنها من التنفس بشكل جيّد بفعل تعطش أجسادها الضخمة لكميات كبيرة من الأكسجين.

حدث الاصطدام

اقترح البروفيسور والتر ألڤاريز في سنة 1980 فرضية مفادها أن كويكبًا اصطدم بالأرض في أواخر العصر الطباشيري منذ حوالي 65.5 ملايين سنة، وتسبب في اندثار الديناصورات، ويدعم ألڤاريز نظريته بقوله أن طبقات الأرض من تلك الحقبة تُظهر ارتفاعًا مفاجئًا في مستويات الإريديوم. تفيد الأدلّة العديدة التي عُثر عليها أن شهابًا متفجرًا يتراوح قطره بين 5 إلى 15 كيلومترًا (3 إلى 9 أميال) ضرب شبه جزيرة يوكاتان بأمريكا الوسطى، مما أوجد «فوهة شيكسولوب» البالغ قطرها حوالي 180 كيلومتر (110 أميال) وقضى على أشكال متنوعة من الحياة على سطح الكوكب،.وما زال العلماء غير واثقين إن كانت الديناصورات في ذلك الحين مزدهرة أم أن أعدادها كانت تتناقص لأسباب طبيعية. يقول بعض العلماء أن اصطدام الكويكب سبب انخفاضًا حادًا غير طبيعي في درجة حرارة الجو، والبعض الآخر يقول العكس، أي أنه تسبب في ظهور موجة حرّ خانقة اجتاحت الكوكب.

يفترض العلماء أن انقراض الديناصورات حصل في وتيرة سريعة للغاية، على الرغم من أن استنتاج ذلك من خلال دراسة الأحافير وحدها مستحيل عمليًا. يقول أنصار هذه النظرية أن الاصطدام تسبب في نفوق الديناصورات بشكل مباشر وغير مباشر على حد سواء، فقد قُتلت الكثير من الحيوانات فورًا بفعل الحرارة الشديدة الناجمة عن الاصطدام، ونفق ما تبقى من الديناصورات بسبب انخفاض حرارة الأرض بعد أن حُجبت أشعة الشمس بفعل الغبار الكثيف والركام الناجم عن الصدمة.

قام علماء أمريكيون بالتعاون مع آخرون تشيكيّون في شهر سبتمبر من سنة 2007 لمحاولة تحديد مصدر الكويكب الذي أوجد فوّهة شيكسولوب، وباستخدام المحاكاة الحاسوبيّة استنتجوا أن احتمالية أن يكون مصدر الكويكب هو الكويكب العملاق المُسمى «المعمداني» (بالإنجليزية: Baptistina) تصل إلى 90%. يصل قطر هذا الكويكب إلى 160 كيلومترًا (100 ميل)، وهو يقع ضمن حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، ولعلّ كأحد الكويكبات الأصغر حجمًا وغير المسماة بعد، والبالغ قطره 55 كيلومترًا (35 ميلاً) اصطدم به منذ حوالي 160 مليون سنة، وقد أدّى هذا الاصطدام إلى تفتيت المعمداني مما أوجد عنقودًا كويكبيًا لا يزال موجودًا حتى اليوم ويُعرف باسم العنقود المعمداني. أظهرت الحسابات أن بعض تلك الفتات توجهت نحو الأرض بعد الاصطدام، وأحدها كان حجرًا نيزكيًا ذي قطر يساوي 10 كيلومترات (6 أميال)، اخترق الغلاف الجوي واصطدم بشبه جزيرة يوكاتان منذ حوالي 65 مليون سنة، وتسبب في وجود فوّهة شيكسولوب.

من التفسيرات المشابهة لانقراض الديناصورات، النظرية الأكثر جدلاً والتي تقول أن عبور النجم الثنائي الافتراضي «نيميسس» سحابة أورط التي يُعتقد أنها تشكل مصدر المذنبات الرئيسي في النظام الشمسي، أدّى إلى تبعثر عدد كبير منها، واصطدام إحداها، أو بعضها حتى، بالأرض في نهاية المطاف مما تسبب بنفوق الكثير من الكائنات الحية.

وكما في نظرية الكويكب، فإن حصيلة اصطدام المذنب أو هطول الكثير منها، كانت انخفاض درجات الحرارة بشكل سريع، تلاها فترة طويلة من البرد والصقيع أفنت معها الديناصورات الناجية من الانقراض.

مصاطب الدكن

قبل سنة 2000، كان القائلون بنظرية الانقراض بفعل مصاطب الدكن البازلتيّة الفيضيّة يربطون بينها وبين النظرية القائلة بحدوث الانقراض بشكل تدريجي طيلة قرون عديدة. والمصاطب الفيضيّة هذه عبارة عن تكوينات حممية بازلتيّة ظهر بعضها نتيجة ثوران بركاني عظيم وبعضها الآخر نتيجة ثورات متعددة، وكوّنت هضاب كثيرة وسلاسل جبليّة على مختلف القارّات، ويقول أنصار هذه النظرية أن المصاطب بدأت بالظهور منذ حوالي 68 مليون سنة، واستمرت تظهر طيلة مليونيّ عام. غير أن بعض الدلائل تشير إلى أن ثلثيّ المصاطب ظهر خلال مليون سنة فقط، أي منذ حوالي 65.5 ملايين سنة، وبالتالي فإن كانت هذه النظرية صحيحة، فإن هذا يعني أن المصاطب سببت انقراضًا سريعًا للديناصورات وليس انقراضًا تدريجيًا، حيث يُحتمل أن تكون كافّة الأنواع والفصائل قد اندثرت خلال آلاف السنين، لكن هذه الفترة تبقى طويلة على الرغم من ذلك عند مقارنتها بالفترة التي يُفترض أن الديناصورات استغرقتها لتندثر بفعل اصطدام كويكب أو مذنب بالأرض.