• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

جزر الأشباح

مارس 16, 2018

إعداد / أندرو حلمي

ربما قد سمع كل منا عن أساطير السفن الأشباح الغامضة، التي حكم عليها أن تبحر في مياه المحيطات إلى الأبد. ولكن ما يثير الدهشة أكثر بكثير هي قصص جزر الأشباح التي تظهر تارة وتختفي تارة أخرى.
وها هم العلماء على مدى قرنين من الزمن يحاولون كشف سر أرض سانيكوف- الجزيرة الوهمية الضائعة في المحيط المتجمد الشمالي.
في عام 1811 ذكر الباحث في علوم القطب الشمالي يعقوب سانيكوف عن وجود أرض مجهولة تقع إلى الشمال من جزر سيبيريا الجديدة، حيث رأى قمم الجبال في الأفق وحاول الوصول إلى هذه الأرض الغامضة بواسطة زلاجات تجرها الكلاب على الجليد، ولكن انقطع الطريق فجأة عن طريق شريط من مياه البحر مما اضطره إلى العودة.
لم يكن هناك سبب وجيه للشك في ما قاله سانيكوف- ذلك الباحث الذي يتمتع بسمعة كبيرة، بالإضافة إلى ذلك فقد أكدت الطيور الموجودة هناك صحة كلماته. فعلماء الطيور لاحظوا منذ زمن سلوكاً غريباً لطيور الإوز القطبية التي تتوجه من شرق سيبيريا إلى الشمال في فصل الربيع وتعود أدراجها مع ذريتها في فصل الخريف. هذا يعني بأنه هناك، مكان ما في الشمال بين الصحراء الجليدية، أرض خيرة لهذه الطيور المسافرة، والسؤال الذي يطرح نفسه أليست هذه هي الأرض التي اكتشفها يعقوب سانيكوف؟.
لقد توجه سانيكوف أكثر من مرة إلى المسؤولين في سانت بطرسبورغ طالباً تنظيم رحلة استكشافية للبحث عن هذه الأرض الغامضة لكن لم يعر أصحاب الشأن هناك الاهتمام لطلب سانيكوف واكتشافاته، إلى أن قامت بعثة علمية عام 824 بقيادة بيوتر أنجو بدراسة منطقة شمال جزر سيبيريا الجديدة..ولكن لم يجدوا شيئاً. حينها كتب أنجو بسخرية لم يخفها في تقريره بأن سانيكوف على الأغلب رأى ضباباً يشبه الأرض، ولهذا تم اعتبار ذلك الاكتشاف بدعة وأصبح في غياهب النسيان.
في عام 1885 نظمت أكاديمية العلوم الروسية رحلة للبحث عن جزر سيبيريا الجديدة، وقد كان العالم الجيولوجي إدوارد تول أحد قادة هذه البعثة العلمية. وفي صباح مشمس وجد هذا العالم نفسه على ضفاف جزيرة كوتيلني، أي في نفس المكان تقريباً الذي كان فيه سانيكوف منذ 74 عاماً. وفجأة لاحظ تول وبشكل جلي وواضح ملامح قمم الجبال على مسافة بعيدة، وبدأ يتساءل هل هذه هي تلك الجبال التي رآها وأشار إليها سانيكوف؟ وأخذ يتحرك بسرعة إلى الأمام باتجاه هذه الجبال للتحقق منها! لكن الطقس تغير فجأة وبدأت تلوح في الأفق عاصفة ثلجية. في هذه الأثناء انتهت الموارد التي كانت بحوزته مما اضطره للعودة إلى مقره. ولكن منذ ذلك الوقت لم تعد تراود تول شكوكاً بحقيقة وجود أرض سانيكوف مشيراً إلى أنه يمكن وبكل جرأة وضعها على خارطة العالم. ومع ذلك أصيب العالم بخيبة أمل، ففي عام 1893 قام المستكشف النرويجي المعروف فريدوف نانسين على سفينته «فرام» برحلة استكشافية طويلة بحثاً عن أرض سانيكوف وفق الإحداثيات التي حددها العالم تول، لكن دون جدوى…الأمر بدا وكأن الجزيرة كانت تلعب مع العلماء لعبة «الغميضة».
لكن تول كان مصراً على حقيقة أن هذه الجزر موجودة، ولهذا قام بإعداد رحلة استكشافية إلى القطب الشمالي، وبالفعل في عام 1900 توجهت سفينة «زاريا» الشراعية نحو الشمال من بطرسبورغ، وقامت على مدى سنتين بدراسة طبيعة القطب الشمالي، ووصلت بعد ذلك إلى جزر سيبيريا الجديدة. لكن الحملة باءت بالفشل حيث توفي العالم تول قبل أن يعثر على أرض سانيكوف.
مضى الوقت وشهدت روسيا ثورة بلشفية تمخض عنها ظهور دولة جديدة على الخارطة تدعى الاتحاد السوفيتي. لقد كانت الحكومة السوفيتية مهتمة بتطوير منطقة القطب الشمالي، ولهذا عمدت على بناء كاسحات الجليد القوية وبدأت الطائرات تحلق فوق منطقة المحيط المتجمد الشمالي، وتمكن العلماء من وضع حد للجدال القائم حول وجود أرض سانيكوف. وفي عام 1937 وصلت كاسحة الجليد السوفيتية «سادكو» إلى شمال جزر سيبيريا الجديدة لكنها لم تعثر على أي شيء. كما أن الطيارين أيضاً لم يتمكنوا العثور على أرض سانيكوف، وبدلاً من ذلك كانوا يشاهدون أراض واسعة من الثلوج والجليد امتدت إلى ما لا نهاية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل كان سانيكوف وتول على خطأ؟ من الصعب تحديد ذلك حيث يشير العلماء بأن هذه الأرض الغامضة يمكن أن تكون قد ظهرت في وقت من الأوقات لكنها بعد ذلك اختفت. والحقيقة هي أن أساس العديد من الجزر في القطب الشمالي هو ليس فقط من التربة وإنما من الجليد. وكما هو معروف فإن أمواج البحار تضرب على مدى قرون من الزمن الشواطئ الجليدية، وبالتالي فإن الجليد هناك يذوب ببطء مما يجبر أرض التربة في الغوص إلى الأعماق. ففي الفترة ما بين 1950-1960 اختفت عدة جزر صغيرة كانت موجودة على خارطة العالم في القرن الثامن عشر. لذلك يعتقد الباحثين أنه ربما كان هذا هو مصير أرض سانيكوف.