• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

تأملات في مستقبل المنطقة

فبراير 10, 2022

جهاد الزين-لبنان

جندي لبناني يُراقب الحدود اللبنانية الجنوبية أثناء تظاهرة داعمة لفلسطين (15 أيار 2021- تصوير حسام شبارو).
1 – التفكير في مستقبل المنطقة، منطقتنا، مهمة تتولاها غالباً مراكز أبحاث في الخارج، ولكنها لم تدخل بعد بشكل دائم في نمط الكتابةالسياسية المحلية المنشغلة بصراعات الحاضر. هذا التفكير المستقبلي شاق ليس فقط بسبب صعوبته، بل الأدق بسبب احتمالات أهواله، وهو تفكير ضروري حتى لو أفضى سيناريو الهجرة المتزايدة من المنطقة إلى أن يكون السيناريو الأبرز. لا غنى عن التفكير بمستقبلنا في الكتابة السياسية فيما نحن نلاحق حاضرا محاصَراً باللاستقرار.
نبدأ من لبنان:
ذات يوم إذا أفلت لبنان الراهن، أي بكل فئاته المتبرِّمة من بعضها البعض والمتبرِّمة منه… إذا أفلت من مقصلة نكبات آتية سيظهر على الأرجح الجيل الآتي، أي ليس الجيل الحالي أو الأجيال الحالية، أن الذين واظبوا على حمل راية لبنان الموحّد، «لبنان الكبير»، فيما هم حملوا المهمة الأعقد والأصعب حملوا أيضا إمكان بناء دولة مميّزة لها شخصيّتُها المميزة وليس مجرد دولة أخرى في المنطقة والعالم؟
2- عالم ومحيط هذه بعض مقوماتهما الافتراضية إذا نظرنا إلى الأمور إيجابياً حتى لو كان في هذه النظرة الكثير من الرغبة ليس فقط الفردية بل رغبة أو رغبات تريدها فئات نخبوية واسعة جدا في المنطقة:
-منطقة بلا صراع فلسطيني إسرائيلي يكون الشعب الفلسطيني قد نال فيها دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وانصرف الفلسطينيون بعد عقود الاضطهاد الإسرائيلي المنظّم لهم إلى تحسين حياتهم وممارسة سيادتهم على أرضهم ومؤسساتهم،
-دولة غير دينية في إيران بلا مشاريع توسعية أو تكون هذه التوسعية قد استنفدت نفسها في كل الاتجاهات.
-تركيا ذات نزوع غير أصولي مستقرة ذات علاقة مستقرة بأوروبا ونظام ديموقراطي ثابت .
-منطقة أقل تركيزاً على النفط التقليدي تعتمد على الطاقة المتجددة وقد اتجه العالم بكامله للعيش على الطاقة المتجددة والمهم هنا أن دول الخليج المعنية الأولى بهذا التحول تبذل استعدادات استراتيجية كبيرة للتكيف مع هذا التحول ولاسيما المملكة العربية السعودية ودولة اتحادالإمارات العربية.
-مصر نمر اقتصادي صاعد بقيادة الجيش المصري مع تمنّي تحقيق معدّل ولادات فيها لا يتجاوز الطفل الواحد أو الطفلين للعائلة الواحدة. فهل سيتمكّن الجيش المصري (الذي حمى بلاده من حرب أهلية كان «الإخوان المسلمون» يجرّون مصر إليها ) أن يلعب دورا شبيها بما لعبه الجيش الكوري الجنوبي على مدى ثلاثة عقود بعد 1961 في قيادة وتحقيق الانتقال التحديثي الاقتصادي لكوريا .؟
3- ينبغي التذكير دائماً بالرأيٌ القائل أن خرائط سايكس بيكو لم تصنع دولا جديدة في ولايات عثمانية سابقة فحسب، بل صنعت إضافةً إلى الدول ، مجتمعاتٍ جديدة. كان يمكن للموصل الشامية أن تتكرّس هويتها الوطنية السورية كما كان يمكن لجبل عامل أن يكون جزءا من دولة شرق الأردن وعرشها الأردني لو شاء صانعو تلك المرحلة من بريطانيين وفرنسيين ذلك. هذا مع العلم كما يُظهر المزيد من الوثائق الفرنسية أن اصرار بل عناد بعض الضباط الفرنسيين في الإدارة الكولونيالية الفرنسية هو الذي نجح في فرض حدود لبنان الكبير جنوب الليطاني وكان يمكن للبنان أن تقف حدوده على جسر القاسمية عند مصب نهر الليطاني شمال صور. ما هو ثابت أن شيعة جبل عامل عبر أجزاء كبيرةمنهم أرادوا الالتحاق بالدولة الفيصلية في سوريا ولاحقاً راحت نخب تلك المرحلة تتكيّف مع انتصار الإرادة الفرنسية في إلحاق جنوب الليطاني أو معظمه بلبنان الكبير. أقول معظم جنوب لبنان وليس كله ولا أقصد فقدان القرى السبع التي عاد وتلبنن أبناؤها أي حصلوا على الجنسية اللبنانية بضغط من الرئيس الراحل أحمد الأسعد بل أقصد مناطق أكثر بكثير من القرى السبع إذا صدّقنا أن الحدود التاريخيةلجبل عامل تمتد جنوبا وشرقا أبعد من القرى السبع.
لنتصوّر أيضاً أي تاريخ كان سيُكتب ويتفاعل لو ضم لبنان الكبير منطقة صافيتا ووادي النصارى في أقصى الشمال؟
«الوطنية» العامليّة الشيعية التي قاتلت الفرنسيين وعادت وطالبت بالحكم الذاتي لجبل عامل داخل الدولة اللبنانية ولم تحصل عليه، في أي سياق سنجدها أو سنطلق عليها توصيفات أخرى بعد مائة عام على تأسيس الكيان اللبناني، هي والطوائف الأخرى؟
4- سهلٌ هو «الانزلاق» إلى التاريخ في بلد منهار كلبنان لكن الصعود إلى المستقبل هو المهمة الصعبة.
كيف نتمكّن من «استكمال» رؤية مستقبل المنطقة، نعيد طرح السؤال، من دون رؤية موقع إسرائيل، هذا المشروع المُكْلف بل الأكثر كلفة على ابناء المنطقة وهو الذي «نَعَف» هذه المنطقة سكانياً وسياسيا واقتصاديا وأنشأ دولة في طريقها لأن تصبح دولة إقليمية عظمى بمعايير القرن الحادي والعشرين.
إسرائيل تواصل تغيير المنطقة، فكيف ستلاقي الدور الإيراني، الجديد من نوعه قياساً بأوضاع الخمسمائة عام المنصرمة، وهذا تحوّل هائل بمعزل عن مدى قدرته على الثبات قياسا بالقلق الدائم الذي يعيشه النظام الإيراني، ومدى طاقته على تحمّل مشروعه الإيديولوجي في مواجهة الغرب،كذلك ماذا عن الدور التركي الذي كان يمكن أن يكون رأس حربة العالم المسلم لكن إذا نجح المشروع التحديثي فيه وهو ما لايزال تحت ضغط شكوك كثيرة لاسيما في السنوات «الإخوانية» الست الأخيرة.
سنرى، والضباب المستقبلي كبير، هل سيتمكّن النظام الديني الإيراني من تطويع نفسه نحو مشروع اقتصادي تحديثي مبني على تفاهم مع الغرب والتخلّي عن مشروعه العسكري أم أنه غير قادر على ذلك مهما بلغت «نجاحاته» الجيوسياسيّة وهي كلها محفوفة بمخاطر شديدة وغير مستقرة.