• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

النظام يضع حجر الأساس لإعمار داريا… دراسة تبرز أهمية الانتقال السياسي للعودة

أكتوبر 4, 2018

> موناليزا فريحة

وضعت السلطات السورية حجر الأساس لبداية الأشغال في المناطق الأكثر تضرراً في داريا، أهم مدن الغوطة الشرقية، وأعلنت تخصيصها مبلغ 35 مليار ليرة سورية من أجل إعادة إعمارها، وتأهيلها، بعد سنوات من التهجير، ولكن ما يحصل عملياً يتناقض والرغبة المعلنة للنظام في عودة سكان المدينة الى ديارهم.

كثفت السلطات السورية أخيراً نداءاتها لعودة السوريين الذين لجؤوا الى دول الجوار، الى مناطقهم، ولعل آخرها دعوة وزير الخارجية السوري وليد المعلم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة اياهم للعودة إلى وطنهم بعدما استقر الوضع نسبيا على الأراضي السورية، مستغرباً ما وصفه بأنه «حملات متعمدة لتخويف السوريين» من العودة، والتهديد بأن حياتهم وأملاكهم ستكون في خطر.

ولكن دراسة أعدها الباحث السوري حايد حايد وأصدرها أخيراً في بيروت برعاية مؤسسة «هنريتش بويل» الألمانية أبرزت عوائق كثيرة أمام العودة الى داريا. ولا تسنتد دراسة حايد الى «حملات متعمدة للتخويف» ، وإنما الى شهادات لعينة من 15 من أبناء داريا، ثلاثة منهم نزحوا الى مناطق تسيطر عليها المعارضة وثلاثة الى مناطق يسيطر عليها النظام، وثلاثة غادروا الى لبنان و2 الى تركيا وواحد الى مصر واحد الى المانيا وواحد في أسوج. وتحدث هؤلاء عن تهديدات وعوائق حقيقية تعترض عودتهم الى بلدتهم.

وفند الباحث اسباباً سياسية واقتصادية واجتماعية تقوض عودة أبناء دارسا الذي يمثلون تموذجاً لأكثر من نصف سكان سوريا الذين اركوا بيوتهم منذ بدء الحرب

ولجأوا إما الى دول الجوار  أو أوروبا أو نزحوا الى مناطق سورية بعيداً من منازلهم.

وإذ لا يحدد الباحث حجم التمثيل الذي تعكسه الاراء الواردة في الدراسة ، يلفت الى أن المستوى العالي من التوافق بين المستطلعين في شأن المواضيع المقترحة تفترض أن هذه الاراء يمكن أن تقدم فكرة مفيدة عن شعور اللاجئين السوربين حيال مسألة العودة.

عودة اللاجئين والانتقال السياسي

فمنذ استعادة النظام بمساعدة حليفيه روسيا وايران، الغوطة الشرقية، تكثفت الجهود الروسية لاقناع المجتمع الدولي ببدء الانخراط في عملية اعادة اعمار سوريا، محاولة تركيز الضوء على الصلة بين اعادة الاعمار وعودة اللاجئين، في الوقت الذي يربط الغرب عودة اللاجئين بالانتقال السياسي، أي التغيير السياسي لا مجرد اعادة البناء التقنية لسوريا.

وفي الشهادات الواردة في الدراسة، يميل اللاجئون إلى مقاربة الغرب لتحقيق عودة آمنة، انطلاقاً من أن الاضرار المادية التي لحقت بالبنى التحتية للمناطق المهجرة، كالنقص في فرص العمل والماء والطعام والمأوى والرعاية الصحة والتعليم هي عوامل تقوض العودة، الا أنها ليست المظهر الاكثر ذي صلة. فعند هؤلاء يشكل انعدام الامن الذي لا يمكن توافره الا بالانتقال السياسي، عائقاً اساسياً أمام العودة، اضافة الى غياب حكم القانون و ضمانات بعدم التهجير مجدداً. ولم ينس هؤلاء العوامل الاجتماعية التي كانت الى حد ما سبباً في الثورة السورية، وهي التمييز السلبي للنظام في حق شريحة واسعة من السوريين لجهة التوظيف والترقيات وغيرها.

وسياسياً، يورد حايد في تعليق على الدراسة سلسلة من العوائق التي تقوض العودة، بينها الموقف السياسي للعائدين والقدرة على الحصول على موافقة أمنية. ولعل ما يحصل مع لادجئين سوريين في لبنان يريدون العودة  الى بلادهم ولا يحصلون على ترخيص أمني، دليل اضافي على أن ما تعلنه السلطات السورية يناقض مع ما يحصل في الواقع.

فخلافاً للادعاءات العلنية، لا يبدو النظام مهتماً بعودة أبنائه، وخصوصاً اذا كانوا سيعودون الى مناطق يسيطر عليها. فمع استعادته مناطق، من الطبيعي أن تتزايد عليه الاعباء المالية والضغوط. ومع عودة موالين للمعارضة، سيزداد الاستياء بين السكان المحليين. لذا أوجدت السلطات عوائق ادارية ومادية لمنع سكان من العودة الى عدد من المناطق التي تسيطر عليها، وتحديداً في ريف دمشق. بتعبير آخر، يرى حايد أن المعارضين للنظام لن يكون مرحباً بهم.

وفي خلاصة أخرى للدراسة، أظهرت المقابلات مع أبناء داريا رغبة قوية في العودة الى سوريا، خلافاً للروايات السائدة في دول اللجوء بأن السوريين ينوون الاستيطان فيها.

وليس هذا الامر مفاجئاً لحايد، وخصوصاً بعدما أظهرت دراسات عدة أجرتها وكالات انسانية مثل «أوكسفام» و»المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين»، وغيرها حساً قوياً بالانتماء والتماهي بين اللاجئين السوريين وبلدهم الام.

ولا شك في أن الظروف الصعبة التي يعيشها كثيرون منهم تساهم في تحفيزهم على العودة الى ممتلكاتهم وأرزاقهم، اضافة الى الافتقار الى فرص العيش واجراءات الحماية وصعوبة الاندماج في المجتمعات المضيفة.

ومع ذلك، يقول حايد إن العودة الى سوريا لا تعني بالضرورة أن اللاجئين سيعودون الى منازلهم أو مسقطهم. فمن خلال سياسة التهجير القسري، وأيضاً التغييرات القانونية مثل قانون الملكية الأخير، كشف النظام أنه في أماكن عدة، بينهم داريا، أنه لا يزال يمنع أشخاصاً من دخول المدينة التي أفرغت تماماً طوال سنتين تقريباً. وبالتالي، صار أبناء داريا الذين عادوا الى سوريا، نازحين داخلياً في مناطق عدة يسيطر عليها النظام. ويعاني كثيرون منهم اعتقالات تعسفية أو تجنيداً اجبارياً أو تعذيباً حتى الموت أحياناً.

وليس الوضع أفضل بالنسبة الى أولئك الذين عادوا أو هجروا الى مناطق المعارضة. فهؤلاء يفتقرون الى الوسائل المالية والمساعدة الضرورية لتلبية حاجانهم.

وكثيراً ما واجهت منظمات إنسانية وحقوقية، بما فيها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين انتقادات على خلفية قولها أن الوضع في سوريا ليس آمناً لعودة اللاجئين، وخصوصاً أن انعدام الامن ليس نابعاً من النزاع المسلح فحسب، وإنما أيضاً من الظروف القانونية والسياسية.

ومع ذلك، تتزايد القيود والضغوط على اللاجئين السوريين في المجتمعات المضيفة على نحو كبير وجذري. ففي لبنان، يواجه اللاجئون الطرد وعمليات الدهم والاعتقالات وحظر التجول والقيود على الاقامة وحرية الحركة. وهم يواجهون نوعاً مختلفاً من الضغط في الاردن، وبدرحة أقل في تركيا، للعودة الى بلادهم.

ويحذر حايد من إرغام أشخاص على العودة قبل نضوج الظروف لا يعرض هؤلاء للخطر فحسب، وإنما يهدد بتعرضهم للتهجير مرة أخرى. فكثيرون من السوريين الذين عادوا الى بلادهم عام 2017 هجروا مجدداً، الامر الذي يظهر أن مناطق كثيرة في سوريا لا تزال غير آمنة، أو ربما صارت أكثر خطراً.

ففي مقابل 1,8 مليون سوري نزحوا داخل سوريا في الاشهر الاولى من 2017، نزح نحو مليون في الاشهر الاولى من 2018. وفي مقابل عودة 66 ألف لاجئ عام 2017، هرب نصف مليون آخرون من البلاد في الفترة نفسها.

وبناء على شهادات أبناء داريا المهجرين داخل سوريا وخارجها، خلص حايد الى أن وقف الاعمال العدائية في سوريا لا يعني بالضرورة عودة تلقائية. ولا يمكن تحقيق الظروف الضرورية لعودة هؤلاء الا من خلال حكومة انتقالية بناء على عملية ترعاها الامم المتحدة يمكن أن تمنع النظام السوري أو زعماء الحرب التابعين له من طردهم أو اثارة نزاعات أخرى.

وفي غياب ظروف مناسبة وآمنية لعودة السوريين، يناشد حايد المجتمع الدولي تعزيز جهوده لضمان احترام المجتمعات المضيفة حق اللاجئين في عودة طوعية ومبدأ عدم الطرد وزيادة دعمه للاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة في الدول المجاورة . كذلك، عليه زيادة جهوده لحماية النازحين داخل سوريا لئلا يتحولوا أهدافاً ويهجروا مجدداً، فضلاً عن زياردة الدعم الانساني لتحسين ظروف عيشهم. .

في الخلاصة، يناشد حايد المجتمع الدولي والدول النافذة ضمان عدم تركيز المفاوضات السياسية الحالية والمستقبلية للتوصل الى تسوية للنزاع في سوريا، على انهاء النزاع بأي ثمن. ذلك أن انهاء الحرب يمكن أن يفتح الابواب لعودة واسعة النطاق إذا أخذت هواجس اللاجئين وأولوياتهم مثل الحكم الرشيد واعادة البناء واعادة الاندماج والتمثيل السياسي والحماية والعدالة، في الاعتبار عند التوصل الى تسوية سياسية.

وفي المقابل، يهدد الفشل في التوصل الى حل سياسي وعادل ينهي العنف ويعالج أسباب النزاع، باستمرار الفوضى في سوريا والمنطقة ويثير موجات جديدة من التهجير واللاجئين.