• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

يعرف الطب النَّفْسَجِسْمِيّ بأنه فرع من الطب يعنى بالأمراض النفسية الجسمية أو الأمراض النفسجسمية أو أمراض «السيكوسوماتيك» وهي أمراض تؤثر فيها العوامل الذهنية والنفسية للمريض تأثيراً كبيرا في نشوئها وتطورها مثل: الصداع النصفي، والأكزيما، وقرحة المعدة، والقولون العصبي والضغط المرتفع وبعض أمراض القلب، التعنية غير الدوسنتارية، الإمساك أو الإسهال المزمن …إلخ.
وفي حالة إجراء فحص طبي، لا يظهر لهذه الأمراض أي أسباب جسمية أو عضوية، أو في حال حدوث مرض ناتج عن حالة عاطفية أو مزاجية مثل الغضب أو القلق أو الاكتئاب أو الكبت أو الشعور بالذنب، في هذه الحالة تعد مثل هذه الحالات أمراضاً نفسية جسمية.
وتختلف السيكوسوماتية عن أمراض الهستيريا التحولية في أن الثانية لا تتضمن خلل عضوي حقيقي، حيث يكون العضو سليم ولكنه غير قادراً على القيام بوظيفته مثل الشلل النفسي أو السكري النفسي، بينما في أمراض السيكوسوماتيك فإن العوامل الانفعالية والنفسية تؤدي إلى حدوث خلل في التكوين التشريحي للعضو المصاب مثل حالات قرحة المعدة أو التهاب المفاصل..ألخ.
هناك قائمة من الأمراض المعقدة حيث يلعب العامل النفسي دورا محوريا في ظهورها مثل ارتفاع ضغط الدم، القولون العصبي السماسموفيليا أو اضطراب الجهازالعصبي الذاتي، التهاب الدماغ وألام العضلات «الفيبرموليجيا» أو «الألم العضلي الليفي».
وباختصار نقول أن التعريف العام للأمراض السيكوسوماتية أنها اضطرابات عضوية يلعب فيها العامل الانفعالي دورا هاما و قويا و أساسيا . و غالبا ما يكون ذلك من خلال الجهاز العصبي اللاارادى.
أنواع الأمراض السيكوسوماتية

 

1- السكري:

يتسبب التعرض الكثير للمشكلات النفسية والضغوط إلى الإصابة بمرض السكري ويكون العلاج في هذه الحالة غير مجدي، والأنسولين والعلاج بالعقاقير إلي الاضطراب في معدل السكر وعدم التحكم فيه، وفي هذه الحالة تكون الراحة النفسية وعدم الضغوط هما العلاج الأمثل للسكري.

2- قرحة المعدة:

تتسبب الضغوط النفسية والكبت في التهاب بين المريء والمعدة ويزداد هذا الإلتهاب بزيادة الضغوط النفسية إلى أن تصل إلى قرحة في المعدة، وقد لا ينفع فيها العلاج لطالما الحالة النفسية مضطربة، ولكن يبدأ العلاج الحقيقي في العلاج النفسي الذي قد يشفي المعدة تماماً بدون أي عقاقير.

3- التهابات الأمعاء:

من أكثر الاضطرابات السيكوسوماتية هي التهاب الأمعاء مما يتسبب في الإمساك أو الإسهال، وهذه الحالة أيضاً ليس لها شفاء عن طريق العقاقير الطبية بل عند حلّ المشكلات النفسية.

4- السُمنة:

إن السُمنة هي زيادة الدهون في الجسم وترهل الجلد مما قد ينتج عن مرض السكري أو عن الحالة النفسية السيئة.. فكلما زادت الحالة النفسية سوءا كلما زاد وزن الجسم ترهلا وزادت السُمنة، فإن الحالة النفسية تجعل الإنسان غير محب للخروج أو التنزه، فيمكث في مكانه مكتئباً فيزداد الوزن.
والحل في هذه الحالة هو استقرار الحالة النفسية وحلّ المشكلات مما يفرج عن النفس فيبدأ الشخص في الحركة مما يساعد على ضبط السكر في الدم ونقص الوزن وقلة ترهل الجلد.

5- الورم الخبيث:

السرطان هو انشطار غير طبيعي لخلايا الجسم في منطقة معينة، ويؤدي هذا الانشطار إلى تكاثر الخلايا بشكل غير طبيعي، ثم عندما لا تجد هذه الخلايا مكان متسع في المنطقة المصابة تنتقل إلى منطقة أخرى مجاورة في الجسم وهو ما يسمى بانتشار الورم الخبيث في الجسم.
وهذا الانشطار ليس هو المشكلة في حد ذاته وإنما المشكلة الأكبر تكمن في عدم مقاومة الجسم لهذه الخلايا المنشطرة فتزداد الخلايا بكثرة مهولة في زمن قياسي قصير فتتدمر المنطقة المصابة وقد يؤدي هذا للوفاة.
فعندما تزداد الضغوط النفسية للإنسان ويزداد الكبت النفسي، يؤدي ذلك إلى خلل في وظائف الخلايا في الجسم، مما يؤدي إلى عدم مقاومة الخلايا المنشطرة وزيادة في الخلايا مما يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.

6- الروماتيزم:

وهو أحد الأمراض التي تكثر لدى الناس بشكل عام وهي الآلام المفصلية أو العضلية, وبعض الآلام الروماتزمية قابل للشفاء والبعض الآخر غير قابل للشفاء، ومن أنواع الروماتيزم القابلة للشفاء هو الروماتيزم الناتج عن الضغوط النفسية، تلك التي قد تتسبب في آلام الرقبة والظهر والركبتين، وجميعها يتم علاجها عن طريق العلاج النفسي وأحيانا تستخدم العقاقير الطبية كعوامل مساعدة لتقليل الألم وعلاج الإلتهاب الناتج عن الروماتيزم.

7- ارتفاع ضغط الدم:

ضغط الدم هو قوة دفع الدم لجدران الأوعية الدموية التي ينتقل خلالها أثناء تغذيته لكافة أنسجة الجسم وأعضائه فيما يعرف بالدورة الدموية.
وتبدأ الدورة الدموية بانقباض عضلة القلب وهو ما يسمى علميا بـ «Systolic Pressure» ليتم ضخ الدم بقوة إلى جميع خلايا الجسم محملا بالأكسجين الذي يتحد بدوره بالغذاء المهضوم فيحترق منتجا الطاقة اللازمة للجسم، ثم يعود إلى القلب عن طريق الانبساط «Diastolic Pressure» محملا بثاني أكسيد الكربون الناتج عن الاحتراق حتى يتم تبديله مرة أخرى بالأكسجين عن طريق التنفس.
ولابد من الحفاظ على مستوى الانقباض والانبساط في القلب ليكون المتوسط 115/75 مليمتر زئبق ، وأن زيادته عن هذا الحد تؤدي إلى إجهاد القلب والكلى ، وقد يؤدي ارتفاعه إلى سكتة دماغية أو العقم المبكر عند الرجال.
فالاكتئاب والحالة المزاجية المضطربة والانفعال والقلق جميعها تؤدي إلى اضطراب في عضلة القلب واختلال في قوة الانقباض والانبساط مما قد يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم وإصابة الإنسان بالجلطات التي يكون السبب فيها الحالة النفسية السيئة.
أعراض المرض

 

1- ظهور علامات القلق والاهتزاز النفسى الذي قد يزعزع الثقة بالنفس في أداء المهام.

2- تأثير متبادل بين النفس والجسد، فالجسد يتأثر بالحالة النفسية للفرد .. كما أن نفسية الفرد تتأثر بالحالة المرضية للجسد، وهذه أهم الأعراض التي تحدث في المريض بمرض نفسجسمي، فتجد المريض يعاني من مرض عضوي ولا يجد الأطباء سبباً في هذا المرض العضوي، حينذ يبحث الأطباء في الحالة النفسية للمريض لعل المرض الجسدي سببه مرض نفسي.

3- حالة شبه دائمة من التيه والسرحان والتفكير وعدم التركيز على مدار فترة طويلة من الزمن.

4- تغير في وظائف الجسم، حيث يعاني المريض دائما من صداع أو مغص أو تقلص معوي أو ارتفاع في ضغط الدم في أوقات ليس لها أي علاقة بالخلل العضوي.

5- عدم التأثير الإيجابي للعلاج الدوائى في علاج الاضطراب الذى يعانى منه الشخص، حيث إنه ليس مرضاً جسميا في أصله بل هو مرتبط ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية، فلو وجدت الحلول لمشكلاته النفسية زال عنه المرض الجسمي بدون عقاقير طبية.

أسباب المرض

1- الصراع النفسى الداخلي أو الخارجي:

< الداخلي: أي الصراع مع الذات، حيث يلوم الشخص نفسه على فعل ارتكبه فيشعر بالذنب ويصارع ذاته إلى أن يصاب أحد أعضاء الجسد فتعتل صحته.
الخارجي: أي الصراع مع الغير، وهو أمر ناشيء عن ضغوط نفسية يتسبب فيها الآخرون فتسبب للشخص ضغوط نفسية وكبت يؤدي به في النهاية إلى مرض عضوي نفسي.

2- عدم القدرة على التكيف الاجتماعي:

فإن لم يقدر الفرد على التكيف مع المجتمع المحيط به أو حتى مع المتغيرات التي تحدث حوله، يقع فريسة للتوتر النفسي الذي يؤدي إلى اختلال في وظائف الجسم فتظهر عليه أمراض جسمية.

3- الحساسية المفرطة والشعور الإنسان بالذنب:

كثير من الناس لهم مشاعر مرهفة وإحساس رقيق تجاه أى تصرف يصدر منه أو من الآخرين له، فإذا شعر أنه تسبب في جرح مشاعر أحد تجده يشعر بالذنب تجاهه ويؤنب نفسه لفترات طويلة ولا يقدر أن يسامح نفسه، بل ويعتبر نفسه مسؤولا عن جرح مشاعر الآخرين فيصاب بالقلق والتوتر النفسي الذي يصيب جسده بالمرض مثل الشعور الدائم بالصداع أو التقلص المعوي أو القلق أثناء النوم.
وكذلك الحال إذا استقبل كلمة من الآخرين جرحت مشاعره، فمن فرط حساسيته المرهفة يرفض أن يعنّف الآخر عن جرح مشاعره، فيكبت في نفسه ويتأثر فتعتل صحته ويرتفع ضغطه ومن الممكن أن يتفاقم الأمر إلى أن يصل إلى جلطات مختلفة.

4- الحاجة للأمن والأمان:

من أهم الحاجات النفسية التي بدأ بها العالم الأميركي ماسلو هي الحاجة للأمن والأمان.وهذه الحاجة أساسها الحب، فلا أمن ولا أمان بدون الشعور بالحب، الحب من الآخرين للفرد، وبالتالي ينعكس في حب الفرد للآخرين، من هنا يشعر الفرد بأنه في أمان واطمئنان.
أما إذا افتقد الفرد هذه الحاجة الأساسية «أي الحب» مصدر الأمن والأمان فلن يمكنه التعامل مع الضغوط الحياتية أو العلاقات الاجتماعية، وبالتالي سيفقد التكيف مع المجتمع والطبيعة وكل شئ فيصاب بالمرض النفسي الذي قد يظهر في صورة مرض جسمي.

5- عدم تسديد الاحتياجات الأساسية الخارجية:

هناك ثلاثة مستويات طرحها ماسلو في احتياجات الإنسان وهي:

حاجات نفسية: «وتحدثنا عنها في النقطة السابقة».
حاجات اجتماعية: وهي من الحاجات المهمة لدى الإنسان، لأنها هي التي تبث في داخله الثقة بالنفس والقدرة على الإنتاج والتفاعل البنّاء مع المجتمع المحيط به، مثل الحاجة إلى التقدير والاحترام، والحاجة إلى الانتماء، وبالتالي التقصير في إشباع هذه الحاجات يؤدي حتماً إلى ضغوط نفسية تؤدي بالضرورة إلى الأمراض الجسمية بأنواعها المختلفة كما وصفنا في بادئ الأمر.

6- الهروب من الواقع:

قد يتعب الإنسان نفسياً من أمر ما فيحاول الهروب من الواقع ومواجهة المشكلة فيلجأ إلى طرق يعتقد «وهماً» أنها ستخفف من التوتر والقلق اللذان يتعرض لهما مثل التدخين وشرب الكحوليات، ولكن تآتي هذه الطرق بنتائج عكسية فتصيب الإنسان بأمراض جسمية قد تعصف بحياته.

7- الخبرات الشعورية السلبية:

قد يمر الإنسان في حياته بخبرات شعورية سلبية مثل الفشل في مشروع أو في دراسة ما، أو فقدان شخص قريب إلى نفسه، فيصاب باليأس والاستسلام للمرض، وهذا الاستسلام هو البوابة الرئيسية لدخول المرض الجسماني له، فيصاب بأنواع كثيرة من الأمراض التي لا حلّ لها إلا بعودة المفقود، أو بالتعويض عن طريق شخص بديل.
علاج المرض

1- العقاقير الطبية:

في الأمراض السيكوسوماتية يكون للأدوية والعقاقير الطبية دورها الأساسي في تقلقل مضاعفات المرض وتسكين الألم، ولكنها ليس العلاج الحتمي في القضاء على الأمراض.
ولكن العلاج الحقيقي يكمن في العلاج النفسي وإزالة المثير، أي إزالة السبب النفسي الذي تسبب في حدوث المرض الجسدي الناجم عن الحالة النفسية السيئة أو المزاج المضطرب.
ولكن هناك عقاقير نفسية مساعدة أيضاً مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات النفسية، ولكنها لم تكن هي أيضاً السبب في القضاء على المرض طالما المثير مازال موجودا.
ولكن العلاج النفسي هو أهم وسائل العلاج للقضاء النهائي على الأمراض السيكوسوماتية سواء بالتدخل بالعقاقير المساعدة أو بدونها.

2- تفريغ الشحنات المكبوتة:

تفريغ الشحنات يعتبر عامل مساعد ولكن لم يكن هو الحلّ الجذري، ولكنه بمثابة مسكن مؤقت إلى أن يجد الفرد علاجه في إزالة المثير تماماً، مما يؤدي إلى الترويح عن النفس وتفريغ الشحنات الكامنة في نفس المريض.
تفريغ الشحنات يمكن أن يكون في ممارسة الرياضة أو التنزه أو الاختلاط بالأصدقاء أو عن طريق جلسات الإرشاد النفسي مع الأخصائي النفسي.

3- الرعاية والتدليل:

لابد من معاملة المريض برعاية وتدليل وذلك لحساسيته الشديدة من المواقف التي تثيره وتسبب له أي نتائج جسمية مرضيّة.
حيث تُلبى له احتياجاته الشعورية التى يشعر بالحرمان منها وذلك للتغلب على أية مشاعر سلبية تدور بداخله.

4- الجلسات الإرشادية:

وهو ينقسم إلى:
< العلاج النفسى الفردى.
< العلاج النفسى الجماعى.
وهما طريقتان للعلاج المباشر الذى يقدمه الطب النفسى من خلال الجلسات الإرشادية والنقاش المباشر لمعرفة الأسباب الأساسية لحدوث المرض للوقوف عندها وإيجاد الحلول الجذرية عن طريق إزالة المثير أو بإيجاد حلول بديلة للشفاء بالتعويض.
كما أنه في العلاج الجماعي يتم تواجد الفرد بين جماعة تمثل بيئة العلاج للمريض.