• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

الغضب، أسبابه وعلاجه

أغسطس 18, 2019

إعداد/ د. سام نان

تعريف الغضب

أولاً علينا أن نعرف أن الغضب ليس مرضاً من الدرجة الأولى بقدر ما هو حالة نفسية نابعة من المشاعر والعاطفة، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحالة انفعالية تتأثر بعوامل أو أشخاض محيطين.

والغضب له عوامل عديدة تؤثر فيه بالإيجاب أو السلب، وتتحكم في درجة الانفعال ومدته.

ولكن يمكننا أن نضع تعريفاً علمياً للغضب على النحو التالي:

الغضب هو حالة استثارة فسيولوجية ومجموعة من الأَعراضِ الانفعاليَّة النّاتجَة بسبب الشعورِ بالإحباط تَهدف لإيذاء ومعاقبة النّفس أو الآخرين، وتصاحِبهُا مظاهر نفسيّة وجسديّة. وللغضب مرادفات أخرى كالعِدائِيَّةِ، والعُنفِ، والعَصَبيَّةِ.

أسبابُ الغضب

إن أسباب الغضب كثيرة ومتشعبة، ونقوم هنا بتلخيصها في ثلاث أسباب رئيسية:

– أسباب عضوية:

وهي أسباب مرتبطة باختلال وظائف الجسم، وتعتبر خارجة عن إرادة الشخص، وتعمل على سهولة وصول الإنسان إلي مرحلة العصبية أو الغضب في أقل حالات الاستثارة .. مثل:

– سوء التغذِيّة:

سوء التغذية لا يعني الامتناع عن تناول الطعام وإنما يعني الافتقار إلي نوعيات معينة من الطعام التي تكسب الجسم احتياجاته من القيتامينات، ويؤدي سوء التغذية إلى افتقار الدم إلى نسبة الهميوجلوبين، والذي يسمى فقر الدم ويدعونه الأطباء «الأنيميا»، ذلك الذي يتسبب بدوره سرعة ضربات القلب وضيق التنفس مما يزيد من استثارة الإنسان بسهولة واستسلامه للغضب بسرعة حتى تحت أبسط الضغوط النفسية، وأحياناً يحاول الشخص الذي يعاني من فقر الدم اختراع مشكلة مع الاخرين أو حتى مع نفسه حتى يجد سبباً للغضب.

– معاناة المرضُ:

إن أمراض الإنسان كثيرة ومتناوبة، وتحدث إما من حين لآخر، من موسم إلى موسم، أو تلازمه طيلة حياته.

لذلك يعزو الأمر إلى تقسيم الأمراض إلى نوعين أساسيين هما:

الحالات المرضية المؤقتة:

قد يعتري الإنسان مرضاً مؤقتاً غير مزمن، وهي الحلات المرتبطة بمواسم معينة، في هذه المواسم المرضية يسهل تعرّض الإنسان للغضب مثل:

– الأنفلوانزا: إن مرض الأنفلوانزا هو مرض موسمي يصيب الإنسان في مواسم معينة ويسبب له أعراضاً مثل الرشحِ والصداعِ والزكام والإرهاق واضطاب النوم، مما يشبب له مضايقات في التنفس بالذات فتضيق نفسه فيسهل عليه أن يغضب ويتعصّب على الاخرين.

– الدورة الشهرية:  هي دورة من التغيرات الطبيعية التي تحدث في الرحم والمبيض بهدف تمكين عملية التكاثر ففيها يتم إنتاج البويضات وتجهيز الرحم للحمل، وتحدث الدورة عند النساء في فترة خصوبتهن، وتتكرر فيهن بين بدء الإحاضة السن الذي تحدث فيه أول دورة وسن اليأس السن الذي تحدث فيه آخر دورة.

وهذه الدورة الشهرية موسمية تحدث كل 28 يوماً، وفيها يتم تغيير المزاج عند المرأة كليةً، فتكون عرضه للغضب السريع، لذلك ننصح الزوج في أيام الدورة الشهرية عند زوجته أن يكون عطوفاً معها وصبوراً ويتحمل ضغوطها ومزاجها المتقلب، حيث إنها تعاني من آلام شديدة وعدم ارتياح نفسي مما يدفعها إلي الغضب.

الأمراض المزمنة الملازمة:

هناك أمراضاً تبدأ مع الإنسان منذ الإصابة بها وتستمر معه بقية سنوات عمره مثل مرض السكري، الضغط المرتفع، امراض القلب، العاهات الجسمية في أحد أعضاء الجسم، وهذه الأمراض تجعل الإنسان عرضة للوصول إلي حالة الغضب بسهولة شديدة، وأهم هذه الأمراض هو مرض السكري الذي يجعل الشخص سهل الاستثارة ويصل إلي حالة عصبية بسرعة هائلة قد لا يشعر فيها بنفسه ولا يشعر بمَنْ أمامه مهما كان مركزه.

-السكري: إن السكري يتسبب بكثير من القلق للإنسان، حيث إن اضطاب معلات نسبة السكر في الدم زيادة أو نقصان تتسبب في الاضطاب العصبي والنفسي للإنسا مما يساعد على سهولة وصوله إلى مرحلة الغضب الزائد، فإن السكري يمكن أن يؤثر على المزاج حتى من لحظة إلى أخرى، وعلى سبيل المثال فإن الشخص الذي يعاني من انخفاض في السكر نتيجة تناوله الكثير من الأنسولين قد يصبح فجأة سريع الغضب وقد يتصرف وكأنه ثمل.

أما بالنسبة للمستويات المرتفعة من السكر في الدم، فإنها أيضا قد تؤدي إلى تغيرات مزاجية، فهي قد تؤثر على القدرة على التركيز وقد تشعر الإنسان بالاكتئاب وتساعد على الانفعال السريع.

– ضغط الدم المرتفع:

الحقيقة أن ارتفاع ضغط الدم يؤدي إلى العصبية والغضب ولكن بطريقة غير مباشرة، حيث إن خوف الإنسان من ارتفاع الضغط يؤدي به إلى العصبية والغضب، لأن ذلك مرتبط بالخوف العصبي، وهنا يأدي الغضب إلى ارتفاع ضغط الدم بالفعل وذلك مرتبط بما يسمى التوقع المرضي.

-الإعاقة الجسدية:

إن المصابون بإعاقة معينة في الجسم، مثل فقدان عضو معين في الجسم أو اعتلاله، يبث في الإنسان أحياناً شعوراً بالنقص، فينمي عنده الشعور بالتذمر والحقد على الآخرين ممن ليسوا مصابين بهذه الإعاقة ويدفع ذلك الإنسان المعاق إلي العصبية والغضب الزائد.

– أسباب النفسية:

وكلمة الأسباب النفسية تعتبر بمثابة بحر عميق وواسع، يكثر فيه الكلام وتكثر فيه الأبحاث وربما لا تكفي من الكتب صفحات، فالأسباب النفسيّة للغضب كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:

الاضطرابات النفسية، خبرات الفشل المتكررة والشعور بالإخفاقِ، كثرة الجدال والمشاحنات، الحرمان وعدمِ إشباع الرغبات، الحاجة إلى الحب والحنانِ والاهتمام. وكلها تدعو الإنسان إلي الغضب وتعمل على تعطل مركز التفكير والتروي عند الإنسان، فيخرج عن حالته الطبيعية ويُستثار بسهولة ويصل إلي مرحلة الغضب الزائد الذي قد يقوده إلى ارتكاب حماقات قد يندم عليها فيما بعد.

– أسباب التربوية:

كلنا نعرف أن الإنسان اجتماعي بطبعه، يعيش في بيئة محيطة، تؤثر فيه وتتأثر به، وبما أن الإنسان محاط طول حياته بمجتمعين: مجتمع صغير (الأُسرة) ومجتمع كبير (المدرسة والجامعة والعمل والأصدقاء) فكل هذا يؤثر فيه، أما المجتمع الصغير فهو بمثابة البنية الأساسية في تركيبة الإنسان يحضرنا أن نتكلم عن الأساليب الخاطئة في التربية التي تنمي السلوك العصبي لدى الشخص وتجعله سهل الاستثارة، وأهم الأساليب الخاطئ في التربية:

– القسوة:

فعندما يتعامل الأب مع أولاده بقسوة وبعنف، فهو بالتالي يربي فيهم العنف المقابل، وهذا العنف لا يأتي من شخص حليم ولكن من شخص يصل إي مرحلة الغضب الزائد.

– التدليل:

إن الأم التي تعمل على تدليل ابنها أو ابنتها وتلبي له كل طلباته «وليس احتياجاته» فهي بالتالي تعمل على وصوله إلى مرحلة الغضب بسهولة عند مواجهته بالحياة، فهو يصل إلي الشعور بالإحباط والفشل الذي يقوده إلي الغضب عندما يريد أن يصل إلي شيء ويفشل في الوصول إليه، لأنه تعود من صغره على تلبية كل طلباته، بالتالي فهو سهل الغضب، وهذا الغضب لا يعدُّ تنفيثاً عن حالة الاكتئاب، ولكنه رفضاً للواقع الذي لا يريد أن يواجهه، ولا يريد أن يتعامل معه.

– نتائج الغضب:

يظهر المتعرضون للغضب بعض السلوكيات التي قد تؤدي بدورها إلي نتائج يعتبر بعضها خفيف الوطأة والبعض الاخر منها خطير ومن نتائة الغضب الأمور التالية:

– الصراخ والصوت العالي بكلمات قد لا تكون مفهومة أحياناً.

– السباب والشتائم اللذان قد يندم عليهما فيما بعد.

– قد يتطور الأمر إلي مرحلة الإيذاء للآخرين أو إيذاء الشخص الغاضب لنفسه أيضاً وهي مرحلة تعتبر خطيرة.

– الإرهاق والصداع وضيق التنفس وارتفاع نسبة السكر في الدم.

– الإصابة بالذبحة الصدرية وقد تتطور إلي الوفاة.

– الإصابة باللاكتئاب النفسي والذي قد يتطور إلي مرحلة الجنون.

– علاج الغضب:

يتبادر إلى الأذهان سؤال مهمٌّ، ألا وهو كيف يتخلّص الشّخص العصبيّ من عصبيّته؟ يشغل هذا السّؤال تفكير الكثير من الأشخاص الذين يُعانون من العصبيّة، خاصّةً أولئك الذين يتعرّضون لِضغوط حياتيّة كبيرة، ويَشعرون أنّهم مسؤولون عن كلّ شيءٍ حولهم، أو أولئك الذين ينفعلون ويغضبون سريعاً لِمُجرّد أنّهم شعروا بتقصير من حولهم في أمور مُعيّنة. إنّ العصبيَّة عامِل من العوامل المُدمِّرة لِحياة الفرد الصحيّة والاجتماعيّة، والاستسلامُ لها يَحرِِم الفرد من أنْ يعيش حياةً صحيّةً تَنعم بالهدوء والطّمأنينة، إلّا أنّ التغلُّب عليها ليس بالأمر المُستحيل، ولكن علينا أن نعرف جيداً أن علاج الغضب لا يكمن في طبيب ولا في عقار أو دواء، وإنما يكمن في المرتبة الأولى فيمن يتعامل الشخص الغاضب معهم بصفة مستمرة.

فلابد أن نعرف أن الشّخص العصبيّ الشّخص العصبيّ هو سريع الانفعال؛ بحيث يغضب سريعاً ويَخرج عن شعوره لا إراديّاً، وهو شخص حسّاس يغضب من مواقف قد يرى البعض أنّها لا تستدعي الغضب. إنّ الشّخص العصبيّ هو شخص غير قادر على التحكّم بنفسه وضبطها، فعندما يغضب تخرج منه الكلمات دون أنْ يَشعُر وهي ما كانت لِتخرج منه وهو هادئ،

وعلى الشخص الغضوب أنْ يُدرِك أنّ العصبيّة صفة سلبيّة، وإذا أراد أنْ يتخلّص منها فيجب عليه أنْ يتحلّى بِإرادة قويّة تُساعِده على ذلك، ثمّ عليه أن يُحدّد الأسباب والمشكلات التي تجعله شخصاً عصبيّاً؛ لِيصبح قادراً على التخلّص منها، وفيما يأتي بعض النّصائح التي تساعد على التخلّص من العصبيّة:

– تحديد الأهداف: على الشخص الغضوب أنْ يُحدّد أهدافه في الحياة، ويتخلّص من الأمور التّافهة التي تؤرّق تفكيره وتشغله عن تحقيق أهدافه، وإذا شَعَر أنّه سوف يَنفعِل ويفقِد أعصابه على شيء تافه، فليُذكّر نفسه بأولويّاته والأمور المُهمّة بالنّسبة له؛ كي يُنجِزَها على أكمل وجه، وهذا ما سيجعله يَحتفظ بهدوئه أطول فترةٍ مُمكنةٍ، ويجب عليه كذلك أنْ يُفكّر في الأشخاص الذين يُحبّهم ليبتعدَ عن الضّغوط، ويَفقد إحساس الوحدة.

– إدراك الذات: على الشخص أن يدرك أنه ليس بطلاً خارقاً يستطيع أن يقوم بكلّ شيءٍ وحدَه، لأنّ هذا يجعله تحت ضغط كبير على حساب أعصابه.

– أولوية الوقت للنفس: على الشخص أن يعرف أن لنفسه حق في الوقت اليومي أو الأسبوعي أو السنوي، فلابد أن يعطي الأولوية لنفسه في الوقت ، أي يريح نفسه ولا يضغط عليها حتى لا يقع تحت الضغط النفسي المسبب للغضب.

– عدم الاستسلام بسهولة: على المرء أن يتذّكر أنّه مهما انفعل وانفجر غاضباً فإن ذلك لن يُغيّر مجرى الأحداث من حوله، فعليه ألّا يستسلم للعصبيّة، وألّا يجعل غضبه يثور لأبسط الأمور.

– الابتعاد عن مسببات الغضب: على الإنسان أن يعرف الأسباب التي قد تثير غضبه ويبتعد عنها، حتى وإن كان السبب هو شخص معين فيجب أن يتجنب أو يقلل من التعامل معه تجنباً للغضب.

– تحليل المواقِف: يجب على المرء أنْ يَجلِس مع نفسه ويحلل المواقف التي سبق وأغضبته، ويفكر إذا كانت تستحق فعلاً أن يغضب من أجلِها، ويفكر فيما نتج منْ أضرار بسبب عصبيّته وانفعاله، وعليه أنْ يتخيّل ماذا كان سَيحدث لو أنّه تصرّف بِهدوء وحِكمة، وهذه الإجراءات ستُساعَدُه أيضاً إذا حصَلت معه مواقف مُشابهة فيما بعد.

– كيفيّة التّعامل مع الشّخص العصبيّ:

لا بُدَّ من التعامل معهم بأسلوب جيّد يُخفّف حدّة عصبيّتهم، وإذا كان على المرء أن يتعامل مع أشخاص عصبيّين فعليه التحلّي بالصّبر ويجب الاستماع إلى آرائه، واختيار الوقت المناسب لمناقشته، وإذا تولّد شعور بأنّه بدأ بالغضب فالأفضل إنهاء الحوار معه أو تأجيله.

– معرفة الأسباب: فمن الأمور النّاجحة في التعامل مع الشّخص العصبيّ معرفة الأسباب التي تجعله يغضب؛ لِتفاديها، كما يجب تجنُّب استفزازه.

– التّهديد بالانفصال: إنّ تهديد المرء صديقَه أو شريكَه بالانفصال قد يكون دافعاً له للزيادة من حدّة عصبيّته، وذلك بإخباره بأنّه سينسحِب من حياته.