• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

الرصاص التاريخ والأصل(1)

فبراير 23, 2019

الرصاص عنصر كيميائي رمزه Pb وعدده الذري 82 ويقع في الجدول الدوري ضمن مجموعة الكربون (المجموعة الرابعة عشرة). الرصاص فلز ثقيل ذو كثافة مرتفعة، ويوجد في الأحوال العادية على هيئة فلز ذي لون فضي مزرق والذي سرعان ما يفقد لمعته إلى لون رمادي معتم عند التعرض للهواء. يدخل الرصاص في تركيب عدد من السبائك، وهو أيضاً فلز طري مطواع قابل للسحب والتطريق؛ كما أنه فلز مستقر، وثلاثة من نظائره تقع في نهاية سلسلة اضمحلال العناصر الثقيلة المشعة.
يصنف كيميائياً أنه من الفلزات بعد الانتقالية (الفلزات الضعيفة)، وتتجلى تلك الصفة في طبيعته المذبذبة؛ إذ يتفاعل الرصاص وأكسيده مع الأحماض والقواعد؛ كما أن هناك تفاوت في سمة مركباته الكيميائية حسب حالة الأكسدة، فمركبات الرصاص الثنائي ذات صفة أيونية، في حين أن مركبات الرصاص الرباعي تغلب عليها الصفة التساهمية مثلما هو الحال في مركبات الرصاص العضوي.
يستخرج الرصاص من خاماته بسهولة؛ ومنذ قديم الزمان تمكن الإنسان في العالم القديم من استحصاله، وخاصة من معدن غالينا، الذي يعد المصدر الرئيسي للرصاص. بما أن الفضة غالباً ما ترافق الرصاص في خاماته، لذلك كان السعي للحصول على الفضة سبباً في معرفة الرصاص واستخدامه في مجالات الحياة اليومية في روما القديمة. بلغ الإنتاج العالمي من الرصاص سنة 2014 حوالي 10 مليون طن، وكانت نسبة الحصول عليه من تدوير المخلفات الحاوية على الرصاص أكثر من 50%.
ساعدت الخواص المميزة للرصاص، من الكثافة المرتفعة والانخفاض النسبي لنقطة الانصهار وخموله الكيميائي تجاه الأكسدة، بالإضافة إلى وفرته النسبية المرتفعة وانخفاض ثمنه في استخدامه بالعديد من التطبيقات، التي شملت على سبيل المثال في الإنشاءات والوقاية من الإشعاع والسباكة وصناعة البطاريات والطلقات والمقذوفات والأثقال والسبائك المختلفة مثل سبائك اللحام وسبيكة بيوتر والسبائك سهلة الانصهار (الصهورة)؛ بالإضافة إلى استخدامه سابقاً في مجال الدهانات والإضافات إلى وقود السيارات (على شكل مركب رباعي إيثيل الرصاص).
الرصاص فلز سام، الأمر الذي أدى من الحد في بعض تطبيقاته في أغلب الدول بعد اكتشاف سميته. يؤثر الرصاص سلباً داخل الأجسام الحيوية، حيث يكون تأثيره مشابهاً للسموم العصبية من حيث القدرة على الإضرار بالجهاز العصبي وتعطيل الأداء الوظيفي لبعض الإنزيمات الحيوية مسبباً اضطرابات عصبية وحركية.

العصر القديم

يعد الرصاص من أقدم الفلزات المستخدمة في تاريخ البشرية. وكان هو أحد الفلزات بالإضافة إلى الزرنيخ والأنتيموان والتي جرى تجريبها في العصر البرونزي الأول من أجل تحضير البرونز، إلى أن اكتشف القصدير. عثر على قطع من الرصاص الفلزي يعود تاريخها إلى حوالي 7000 سنة قبل الميلاد في منطقة الأناضول بالقرب من جاتال هويوك، وهي تمثل أقدم موجودات تاريخية جرى معالجتها بالصهر.في ذلك الوقت لم يكن للرصاص أي تطبيق معروف بسبب طراوته ومظهره الكامد؛ وكان العامل الرئيسي في انتشار استخراجه هو مرافقته للفضة في الخامات في القشرة الأرضية.
كان المصريون القدماء أول من استخدم الرصاص في التجميل، وهو تطبيق انتشر بعد ذلك إلى اليونان القديمة وغيرها من الحضارات؛ بالإضافة إلى ذلك فمن المحتمل أن يكون المصريون القدماء قد استخدموا الرصاص أيضاً في تثقيل شباك صيد السمك وفي صناعة الزجاج والمينا المزجج وكذلك في صناعة أغراض الزينة. استعملت عدة حضارات في منطقة الهلال الخصيب الرصاص في عدد من التطبيقات المختلفة مثل استخدامه في الكتابة وسك العملة وضمن مواد البناء. أما في الشرق الأدنى فاستخدم الصينيون القدماء الرصاص كإحدى الوسائل لضبط النسل، وكذلك في سك العملة بالمقابل دخل الرصاص في صناعة التمائم في حضارتي وادي السند ووسط أمريكا؛ في حين أن شعوب أفريقيا الشرقية والجنوبية استخدمته في سحب الأسلاك.

عصر اليونان والرومان

بما أن الفضة كانت مستخدمة بكثرة في التجارة وفي صناعة مواد الزينة منذ التاريخ القديم، وبسبب مرافقتها للرصاص في الخامات، لذلك انتشرت معالجة الرصاص في منطقة الأناضول منذ 3000 سنة قبل الميلاد، ولاحقاً في مناطق مختلفة في اليونان مثل الجزر الإيجية ومدينة لافريو؛ والتي بقيت مسيطرة على إنتاج الرصاص حتى 1200 سنة قبل الميلاد.
منذ حوالي 2000 سنة قبل الميلاد بدأت مناطق أخرى تعرف بإنتاج الرصاص بالظهور والازدهار؛ فمثلاً تمكن الفينيقيون من معالجة الرصاص في مناطق مختلفة منها شبه الجزيرة الإيبيرية، وكذلك في اليونان وقبرص وسردينيا.
أدى توسع الجمهورية الرومانية في منطقة حوض المتوسط إلى انتشار تعدين الرصاص، خاصة مع التطور النسبي لوسائل التعدين أثناء فترة العصر الكلاسيكي القديم؛ إذ قدرت سعة الإنتاج العظمى من الرصاص حينئذ بحوالي 80 ألف طن سنوياً؛ وذلك من المعالجة الحرارية لخامات الفضة الحاوية على الرصاص.
استخدم الرصاص في الكتابة على الألواح؛ وكذلك في صناعة النعوش.كما شاع استخدام الرصاص في صناعة قنوات المجاري وفي الإنشاءات المدنية والصناعات العسكرية، خاصة مع سهولة سبكه والتعامل الحرفي معه، ومقاومته للتآكل؛ بالإضافة إلى سهولة الحصول عليه، ورخص ثمنه.
نصح عدد من الكتاب الرومان مثل كاتو الأكبر وكولوميلا وبلينيوس الأكبر باستخدام أواني الرصاص لتحضير دبس العنب الذي كان يضاف إلى الخمر؛ وذلك لأن الرصاص كان يضفي في بعض الأحيان مذاقاً حلواً (بسبب تشكل «سكّر الرصاص»، وهو مركب أسيتات الرصاص الثنائي)؛ في حين أن الأواني المصنوعة من النحاس أو البرونز كانت تعطي مذاقاً مرّاً بسبب تشكل الزنجار.من جهة أخرى، وثق الكاتب الروماني فيتروفيو المخاطر الصحية للرصاص، وقد يكون للاستخدام المفرط للرصاص في مجالات الحياة اليومية دوراً في انحدار الامبراطورية الرومانية، وذلك وفقاً لرأي بعض المحللين التاريخيين المتأخرين؛ إلا أن ذلك الرأي وجد معارضةً من بعض الباحثين الآخرين، الذين أشاروا على سبيل المثال أن ليس كل ألم معوي سببه التسمم بالرصاص، وشككوا بدور أنابيب نقل المياه المصنوعة من الرصاص بحدوث حالات التسمم.

العصور الوسطى

مع سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية تراجع إنتاج الرصاص في أوروبا الغربية، خاصة مع صعود دولة الأمويين في الأندلس، إذ كانت تلك المنطقة الوحيدة ذات الإنتاج المهم في أوروبا في ذلك الوقت؛ بالمقابل ازداد الإنتاج في مناطق أخرى من العالم مثل الصين والهند.
كان الرصاص حاضراً في تجارب الخيميائيين سواء في عصر الحضارة الإسلامية أو ما قبل عصر النهضة الأوروبي؛ وكان له الرمز الخيميائي Saturn symbol.svg في مدونات ذلك العصر، والذي كان مخصصاً أيضاً لكوكب زحل.
كان الرصاص عند الخيميائيين يعد من الفلزات الوضيعة الشائبة، والذي يمكن لجوهره أن يتحول إلى فلز نبيل نقي مثل الذهب بالعمليات والتقنيات الخيميائية المناسبة. وقد ذكره البيروني في كتابه الجماهر في معرفة الجواهر وخصص له قسما.
بالإضافة إلى ذلك ففد استخدم الرصاص منذ بداية القرن الثالث عشر في صناعة الزجاج المعشق؛ كما استخدم في غش الخمر، الأمر الذي أدى إلى حالات تسمم كثيرة موثقة حتى نهاية القرن الثامن عشر.
من جهة أخرى فقد كان الرصاص مادة أساسية في صناعة أجزاء آلة الطباعة التي اخترعت حوالي منتصف القرن الخامس عشر، الأمر الذي عرض الكثير من العمال لحالات التسمم بالرصاص أيضاً.
دخل الرصاص في صناعة مقذوفات وطلقات الأسلحة النارية نظراً لرخص ثمنه وتوفره ولارتفاع كثافته وانخفاض نقطة انصهاره.
شاع استخدام أبيض الرصاص في مستحضرات التجميل في ذلك العصر، وذلك لتبييض الوجه، وكان يسمى حينها إسبيداج (أو الإسفيداج)؛ كما كان يستخدم للطلاء، إلا أن تلك الاستخدامات تراجعت تدريجياً للسمية. كان ذلك الاستخدام شائعاً ضمن الطبقات الأرستقراطية الأوروبية؛ وكذلك في اليابان أيضاً، والتي شاع فيها تقليد غيشا في تبييض الوجوه حتى القرن العشرين، إذ كانت الوجوه البيضاء للنساء في ذلك العصر دلالة على أنوثة المرأة اليابانية.

العصر الحديث

بعد اكتشافهم للعالم الجديد قام المستوطنون الأوروبيون بإنتاج الرصاص؛ وتعود أقدم السجلات التي تشير إلى الإنتاج في تلك المرحلة إلى سنة 1621 في مستعمرة فرجينيا البريطانية، وذلك بعد أربع عشر سنة من تأسيسها.
أما في أستراليا فقد كان أول منجم افتتح هناك للرصاص، وذلك في سنة 1841.
ساعدت الثورة الصناعية على ارتفاع الإنتاج من الرصاص في أوروبا والولايات المتحدة، إذ كان من أهم الفلزات اللاحديدية المعروفة حينئذ. كانت بريطانيا رائدة في ذلك المجال بادئ الأمر ثم تراجعت مع نضوب مناجمها مع مرور الوقت؛ ومع بداية القرن العشرين أضحت الولايات المتحدة الرائدة في الإنتاج العالمي من الرصاص، كما بدأت دول أخرى غير أوروبية بالظهور على ساحة الإنتاج العالمي مثل كندا والمكسيك وأستراليا.
كان الرصاص مطلوباً في ذلك الوقت بشكل أساسي للسباكة ولصنع الدهان؛ كما استخدم في عملية غرف الرصاص لتحضير حمض الكبريتيك. بالمقابل ازداد تعرض الطبقة العاملة للرصاص مما أدى إلى ظهور مخاطره للعلن، الأمر الذي استدعى إجراء أبحاث لدراسة تأثير الرصاص على الإنسان؛ وكان الطبيب ألفريد بارينغ غارود ممن قاموا بذلك، والذي ربط بين ضحايا التسمم بالرصاص ومهنتهم، فوجد أن نسبة الثلث منهم من السباكين والدهانين.
مع تقدم العلم وفهم آليات الإصابة بالتسمم الرصاص انتقل موضوع التعامل مع هذا الفلز من ردهات المخابر إلى قاعات البرلمانات، إذ بدأت التشريعات التي تحد التعامل به بالظهور. صدر أول قانون لفرض رقابة على الرصاص في المصانع في المملكة المتحدة أواخر القرن التاسع عشر؛ كما جرى تعيين هيئة طبية لفحص العمال؛ مما أدى في النهاية إلى انخفاض حوادث التسمم بالرصاص بحوالي 25 مرة ما بين سنتي 1900 و 1944.
بالإضافة إلى ذلك فقد منعت معظم الدول الأوروبية دهانات الرصاص في الأماكن الدخلية المغلقة منذ سنة 1930.
كانت إضافة رباعي إيثيل الرصاص إلى وقود السيارات لمنع خبط المحرك آخر وسيلة كان فيها الإنسان على تماس مباشر مع الرصاص؛ إلا أنها تراجعت تدريجياً مع مرور الزمن، خاصة مع جهود عدة ناشطين بيئيين مثل كلير باترسون؛ إلى أن منعت نهائياً في أوروبا والولايات المتحدة أواخر القرن العشرين؛ خاصة مع صدور تشريعات منذ سبعينات القرن العشرين هناك للحد من تلوث الهواء بالرصاص؛ مثل توجيه الحد من المواد الخطرة في أوروبا. جراء ذلك انخفض مستوى الرصاص في الدم وفق دراسات أجرتها مراكز مكافحة الأمراض واتقائها في الولايات المتحدة من 77.8% أواخر سبعينات القرن العشرين إلى 2.2% في أوائل تسعينات ذلك القرن.
في نهاية القرن العشرين كان المنتج الوحيد الحاوي على الرصاص والمستخدم بكثرة من البشر هو بطارية الرصاص الحمضية؛ إلا أنها لا تمثل خطراً مباشراً على صحة الإنسان. ازداد إنتاج الرصاص في الصين بشكل مطرد، إلى أن أصبحت في صدارة الإنتاج العالمي منذ بداية القرن الحادي والعشرين؛ إلا أن الأمر لم يخلو من مشاكل صحية هناك أيضاً.

الأصل والوفرة في الكون

على الرغم من ارتفاع العدد الذري للرصاص إلا أن وفرته في الكون تفوق أغلب العناصر ذات العدد الأكبر من 40؛ إذ تبلغ وفرة الرصاص في النظام الشمسي نسبةً إلى عدد الجسيمات مقدار 0.121 جزء في البليون (ppb)، وهو مقدار أكثر بمرتين ونصف من وفرة البلاتين وأكثر بثمان مرات من وفرة الزئبق وأكثر بحوالي 17 مرة من وفرة الذهب في الكون.
على العموم فإن كمية الرصاص في الكون بازدياد ضئيل مستمر، لأن أغلب العناصر الأثقل منه تضمحل إليه تدريجياً؛ وتقدر نسبة ازدياد الرصاص في الكون منذ نشأته بحوالي 0.75%.
إن الرصاص الابتدائي، والمتكون من نظائر الرصاص 204 و 206 و 207 و 208، كان قد تشكل نتيجة عمليات التقاط نيوترون متكررة داخل النجوم؛ وهي تشمل كلي النوعين العمليات البطيئة والسريعة.
تفصل بين عمليات التقاط النيوترون البطئية سنوات أو عقود، مما يسمح للنوى الأقل استقراراً بأن تخضع لاضمحلال بيتا. يمكن أيضاً أن لعمليات التقاط النيوترون أن تحدث بشكل بطيء جداً بستمر لملايين السنين بحيث يستحصل من نواة ثاليوم مستقرة على نظائر الرصاص المستقرة في النهاية. بالمقابل، فإن عمليات التقاط النيوترون السريعة تحدث بشكل أسرع من اضمحلال النواة نفسها؛ وتكون مفضلة الحدوث في الأوساط ذات الكثافة النيوترونية المرتفعة مثل المستعرات العظمى أو مناطق اندماج النجوم النيوترونية؛ والتي يمكن أن يقدر معدل تدفق النيوترونات فيها بحوالي 1022 نيوترون لكل سم2 كل ثانية.
من جهة أخرى، فإن كمية الرصاص المتشكلة عن طريق عمليات التقاط النيوترون السريعة أقل من نظيرتها في العمليات البطيئة؛ إذ أنها تميل لأن تتوقف في الغالب عندما يصل عدد النيوترونات في النواة إلى 126؛ عند تلك النقطة تترتب النيوترونات في أغلفة مكتملة في نواة الذرة ويصبح من الصعب طاقياً استيعاب كمية أكبر.

على الأرض

يصنّف الرصاص وفقاً لتصنيف غولدشميت عنصراً أليفاً لعناصر مجموعة الكالكوجين، بمعنى أنه يعثر عليه بشكلٍ عام مع الكبريت.ومن النادر العثور عليه بصورته المعدنية على هيئة فلز طبيعي.
تعد العديد من معادن الرصاص خفيفة نسبياً، وعلى مدار تاريخ الأرض بقيت في طبقة القشرة الأرضية السطحية ولم تترسب في باطن الأرض. لذا يعتبر الرصاص من العناصر المتقدمة نسبياً من حيث وفرته الطبيعية في القشرة الأرضية بنسبة 14 جزء في المليون (ppm)؛ وهو العنصر الثامن والثلاثين من حيث غزارة وفرته في القشرة الأرضية.
أهم المعادن التي تقترن بالرصاص هو معدن الغالينا (PbS) والذي يوجد غالباً مع خامات الزنك.
ترتبط معظم معادن الرصاص الأخرى بالغالينا بطريقة ما؛ فمعدن البولانغيرايت Pb5Sb4S11، هو كبريتيد مختلط مشتق من الغالينا؛ أما أنغلزيت، PbSO4, فهو ناتج عن أكسدة الغالينا؛ وسيروسيت أو خام الرصاص الأبيض، PbCO3, فهو ناتج عن تحلل الغالينا. تعد معادن الزرنيخ والقصدير والأنتيمون (الإثمد) والفضة والذهب ونحاس والبزموث شوائب شائعة في معادن الرصاص.
تتجاوز الموارد العالمية من الرصاص حوالي ملياري طن. توجد منه مخزونات كبيرة في أستراليا والصين وأيرلندا والمكسيك والبيرو والبرتغال وروسيا والولايات المتحدة. وهذه الموارد الاحتياطية العالمية قابلة للاستخراج لأغراض اقتصادية. بلغ مجموع الكميات المستخرجة منه 88 مليون طن عام 2016 منها 35 مليون طن في أستراليا و17 مليون طن في الصين و6.4 مليون طن في روسيا.
لا تتجاوز التركيزات النموذجية من الرصاص 0.1 μg/m3 في الجو؛ و 100 ملغم\كلغم في التربة؛ في حين أن تركيزه في في المياه العذبة ومياه البحر حوال 5 مايكروغرام\لتر.

الاستخراج والإنتاج

إن الإنتاج العالمي من الرصاص (وفق بيانات سنة 2014) في ازدياد مستمر نتيجة لاستخدامه بشكل رئيسي في صناعة بطاريات السيارات. وفق تقدير مخزون الفلزات في المجتمع الصادر سنة 2010 عن لجنة المصادر العالمية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن المجموع الكلي لكميات الرصاص المستخدمة أو المخزنة أو المطروحة أو المبددة هي 8 كغ لكل نسمة وسطياً على نطاق العالم؛ مع أخذ الفروقات بين الدول المتطورة (20–150 كغ لكل نسمة) والدول النامية (1–4 كغ لكل نسمة).

عموماً يمكن تصنيف استخراج الرصاص حسب مصدر الحصول عليه إلى استخراج أولي من الخامات في القشرة الأرضية؛ وإلى استخراج ثانوي من تدوير الخردة. استخرج سنة 2014 مقدار 4.58 مليون طن من الرصاص من مصادر أولية، مقابل 5.64 مليون طن من مصادر ثانوية؛ وكانت حينها الصين وأستراليا والولايات المتحدة هي الدول في صدارة الإنتاج العالمي بتعدين الرصاص، في حين أن الصين والولايات المتحدة والهند هي التي كانت في صدارة الدول بتدوير الرصاص.إن عمليات إنتاج الرصاص الولية والثانوية متشابهة؛ وتلجأ بعض منشآت تعدين الرصاص إلى مواءمة خطوط إنتاجها بحيث يمكن معالجة خردة الرصاص في عملياتها، خاصة أنه في أغلب الأحيان وعند تطبيق تقنيات مناسبة يكون من الصعب التمييز بين الرصاص الناتج عن التعدين والرصاص الناتج عن التدوير. تحتاج بعض مصادر الرصاص الثانوية إلى عمليات تنقية، وعندما لا تقتضي الحاجة إعادة معالجة رصاص الخردة تنخفض التكاليف إلى أكثر من النصف، وخاصة عند المقارنة بالاحتياجات الطاقية اللازمة للعمليات في أسلوب التعدين.

عمليات التعدين

من أكثر الخامات أهمية في تعدين الرصاص هو معدن غالينا، والذي غالباً ما يوجد على شكل معدن مرافق مع كبريتيدات الفلزات الأخرى. إن معظم خامات الرصاص تحوي على نسب قليلة من الفلز، إذ أن أغناها به هي التي تحوي نمطياً على نسبة تتراوح بين 3–8%، ولذلك ينبغي إجراء عمليات تركيز من أجل الاستخراج. في الخطوات الأولى من عملية التعدين تسحق الخامات وتطحن ثم تفصل وفق الكثافة وتعوّم ثم تجفف. يحوي المركّز الناتج على نسبة تصل في بعض الأحيان إلى 80% (نمطياً بين 50-60%) من الرصاص، والذي يخضع إلى معالجة لاحقة للحصول على الرصاص (غير النقي)، وهناك أسلوبان رئيسيان لإجرائها؛ الأول منهما يعتمد على عملية ثنائية المرحلة تتضمن تحميص للمركز الناتج في فرن صناعي ثم استخراج للفلز في فرن لافح بعملية اختزال؛ أو بإجراء عملية مباشرة يتم فيها استخراج الرصاص من المركز في فرن واحد؛ والعملية الأخيرة هي الأكثر شيوعاً.

العملية ثنائية المرحلة

تجرى أولاً عملية تحميص للمركز الكبريتيدي لدرجات حرارة تفوق 1000 °س في الهواء وبوجود كمية كافية من الأكسجين لأكسدة كبريتيد الرصاص الثنائي إلى أكسيد الرصاص الثنائي وثنائي أكسيد الكبريت:[81]
العملية المباشرة
في هذه العملية يستحصل على صبات الرصاص وعلى الخبث الناتج من العمليات بشكل مباشر من مركز الرصاص. يصهر الرصاص في البداية في فرن ويؤكسد بواسطة تيار من الأكسجين مشكلاً أحادي أكسيد الرصاص؛ وبعد إضافة مسحوق فحم الكوك يختزل الأكسيد إلى فلز الرصاص وسط الخبث المتشكل من الشوائب المرافقة.[80]
إذا كان المادة الأولية غنية المحتوى يمكن الحصول منها على مردود 80% على شكل صبات من فلز الرصاص، وتكون نسبة 20% المتبقية غنية بأكسيد الرصاص. أما إذا كانت المادة الأولية فقيرة المحتوى فيمكن أكسدة كل الرصاص إلى خبث مرتفع المحتوى والذي يختزل لاحقاً إلى فلز الرصاص؛[80]
عمليات التدوير[عدل]
عادةً ما يتم تجاوز مرحلة الصهر في عملية تدوير الرصاص، ولا تطبق إلا عندما يكون الرصاص قد تأكسد بشكل واضح.[78] بشكل مشابه لعمليات التعدين يعالج الرصاص في أفران مناسبة والتي تعطي ناتجاً من الرصاص متفاوت في نسبة الشوائب حسب نوع الفرن؛ فالفرن اللافح يعطي رصاصاً قاسياً (يحوي على 10% إثمد)، في حين أن القمين الدوار يعطي رصاصاً شبه طري (يحوي على 3-4% إثمد).[84]
يمكن أن يستحصل على الرصاص المدور من بطاريات السيارات كما هو الحال في عملية إساسميلت ISASMELT، والتي تعالج عجينة الرصاص الحاوية على أكاسيد الرصاص حرارياً في قمين بعد إزالة الكبريتات بالمعالجة بالقلوي للحصول على فلز الرصاص، والذي يكون غير نقياً لاحتوائه على شوائب من الإثمد.[85] يمكن إجراء عملية تنقية لاحقة للرصاص، ولكن ذلك يعتمد على الكلفة وعلى درجة النقاوة المطلوبة وعلى نوع الشوائب الموجودة.[85] من المصادر الثانوية الأخرى للرصاص بالإضافة إلى البطاريات كل من الصفائح والأنابيب والكبلات المستخدمة في بعض الإنشاءات.[78]
التنقية[عدل]
غالباً ما تكون الشوائب الموجودة هي من فلزات الزرنيخ والإثمد والبزموت والزنك والنحاس والفضة والذهب؛ والتي عادةً ما تزال بسلسلة من المعالجات والعمليات الحرارية. يعالج المصهور في فرن عاكس مع الهواء والبخار والكبريت بوجود نترات الصوديوم/كربونات الصوديوم مما يؤكسد الشوائب عدا الذهب والفضة والبزموت. تزال تلك الشوائب المتأكسدة بقشطها على هيئة رغوة خبث طافية على السطح؛[86][87] في حين أن النحاس والزنك تزال بالانفصال الحبيبي؛ أما الشوائب الثمينة من الفضة والذهب فتزال وتستعاد وفق عملية باركس التي تتضمن إضافة الزنك إلى مصهور الرصاص لاستحصالهما، إذ أن الزنك لا يمتزج مع الرصاص، مما يسهل من فصله على هيئة محلول جامد.[88][87] بعد ذلك، وللتخلص من البزموت الموجود في الرصاص تجرى عملية بيترتون-كرول Betterton–Kroll التي تتضمن المعالجة بالكالسيوم والمغنسيوم ثم المعالجة الحرارية اللاحقة للتخلص من خبث البزموت.[87]
يمكن أن تجرى عملية التنقية بأسلوب آخر مغاير للمعالجات الحرارية وذلك اعتماداً على أسلوب كهركيميائي لمصهور الرصاص بواسطة عملية بيتس. في تلك العملية يغمس مصعد من الرصاص المشوب ومهبط من الرصاص النقي في كهرل من سداسي فلوروسيليكات الرصاص (PbSiF6)؛ وعند تطبيق فرق الجهد الكهربائي المناسب ينحل الرصاص الموجود على المصعد ويترسب على المهبط تاركاً أغلب الشوائب في المحلول.[87][89] ما يعيب تلك العملية هي كلفتها المرتفعة،[90] بسبب الحاجة إلى تطبيق جهد زائد في حوض التنقية؛ ولذلك لا تستخدم إلا في تنقية صبات الرصاص الحاوية على نسب مرتفعة من الشوائب.[91]
النظائر[عدل]
للرصاص الطبيعي أربعة نظائر مستقرة لها الكتل الذرية التالية: 204 و 206 و 207 و 208؛[92] بالإضافة إلى آثار من خمس نظائر مشعة قصيرة عمر النصف.[93] تتوزع الوفرة الطبيعية لنظائر الرصاص المستقرة بين 52.4% للنظير رصاص-208 208Pb وحوالي 22.1% للنظير رصاص-207 207Pb وحوالي 24.1% للنظير رصاص-206 206Pb، في حين للنظير رصاص-204 204Pb يوجد بنسبة 1.4%.
يتوافق العدد الكبير من نظائر الرصاص مع حقيقة كون العدد الذري للرصاص زوجياً؛ إذ أن العدد الزوجي من الجسيمات دون الذرية في النواة يرفع من استقرارها. يتميز الرصاص بأن له عدد سحري من البروتونات (82)، ووفقاً لذلك فإن النواة تكون مستقرة بشكل كبير حسب نظرية نموذج الغلاف النووي.[94] علاوةً على ذلك فإن للرصاص-208 126 نيوتروناً، وهو عدد سحري آخر، وذلك يفسر لم لنظير الرصاص-208 استقرارية فوق العادة.[94] مع ارتفاع عدده الذري يكون الرصاص أثقل عنصر كيميائي تكون نظائره الطبيعية مستقرة، إذ أن الرصاص-208 هو أثقل نظير مستقر (أصبح هذا التمييز حقيقة بعد اكتشاف أن النظير الابتدائي البزموت-209 له نشاط إشعاعي.[95])[96]. يمكن لنظائر الرصاص الأربع المستقرة أن تضمحل نظرياً بنشاط إشعاعي عبر اضمحلال ألفا إلى نظائر الزئبق مع تحرر كمية من الطاقة، إلا أن ذلك لم يلاحظ على الإطلاق، وجرى تقدير عمر النصف لها بحوالي 1035 إلى 10189 سنة، [97] وهو ما يفوق العمر الحالي للكون.
توجد ثلاثة من نظائر الرصاص المستقرة في ثلاث من سلاسل الاضمحلال الرئيسية؛ إذ أن الرصاص-206 والرصاص-207 والرصاص-208 هي المنتجات النهائية لاضمحلال اليورانيوم-238 (سلسلة اليروانيوم) واليورانيوم-235 (سلسلة الأكتينيوم) والثوريوم-232 (سلسلة الثوريوم) على الترتيب.[98][99] يعتمد تركيز نظائر الرصاص المذكورة في عينات الصخور الطبيعية بشكل كبير على وجود نظائر اليورانيوم والثوريوم؛ فعلى سبيل المثال يمكن أن تتراوح الوفرة النسبية لنظير الرصاص-208 من 52% في العينات العادية إلى 90% في خامات الثوريوم،[100] ولذلك السبب فإن الوزن الذري القياسي يعطى بدرجة عشرية واحدة فقط.[101] مع مرور الزمن تزداد نسبة الرصاص-206 والرصاص-207 إلى الرصاص-204، وذلك لأن النظيرين الأولين يوجدان في سلسلة اضمحلال العناصر المشعة، في حين أن الأخير ليس كذلك؛ مما يسمح في النهاية بتحديد العمر الجيولوجي للعينات بستخدام أسلوب تأريخ بالرصاص-رصاص على سبيل المثال. من جهة أخرى، فإن اضمحلال اليروانيوم إلى الرصاص يمكّن من إجراء تأريخ باليورانيوم-رصاص.[102] يتميز النظير رصاص-207 بأن له رنين مغناطيسي نووي، وتلك خاصية تساعد في دراسة مركباته في المحاليل والحالة الصلبة،[103][104] وفي جسم الإنسان من ضمن ذلك أيضاً.[105]
يوجد للرصاص نظائر نظائر مشعة نادرة توجد بكميات نزرة. من بين تلك النظائر هناك الرصاص-210، والذي يبلغ عمر النصف له 22.3 سنة؛[92] ولكن على الرغم من ذلك يوجد في الطبيعة إذ أن ينتج من سلسلة اضمحلال طويلة تبدأ من اليورانيوم-238. كما أن النظائر الرصاص-211 والرصاص-212 والرصاص-214 تنتج أيضاً في سلسلة اضمحلال اليورانيوم والثوريوم ولذلك توجد طبيعياً. يحصل على نسب ضئيلة من الرصاص-209 من الاضمحلال العنقودي نادر الحدوث للراديوم-223، وهو بدوره ناتج اضمحلال لليورانيوم-235؛ وكذلك أيضاً من سلسلة اضمحلال النبتونيوم-237، والذي يستحصل من عملية التقاط نيوترون في خامات اليورانيوم. تستخدم نظائر الرصاص المشعة في عمليات التأريخ، فمثلاً يفيد قياس نسبة الرصاص-210 إلى الرصاص-206 في معرفة عمر العينات.[106]
إجمالياً فهناك حوالي 43 نظير مشع مصطنع للرصاص تتراوح كتلها الذرية بين 178–220.[92] الرصاص-205 أكثر نظائر الرصاص المشعة استقراراً، فعمر النصف له 1.5×107 سنة؛ يليه الرصاص-202 بعمر نصف مقداره 53 ألف سنة، وذلك بشكل أطول من أي نظير مشع طبيعي نزر للرصاص.[92]
الخواص الفيزيائية[عدل]
يوجد الرصاص النقي في الحالة القياسية من الضغط ودرجة الحرارة على شكل فلز صلب ذي لون فضي براق مائل قليلاً إلى الزرقة؛[107] وهو من الفلزات غير النبيلة، إذ عند التماس مع الهواء الرطب يفقد الرصاص بريقه ويصبح ذي مظهر باهت وتعتمد صبغة اللون على الشروط المحيطة؛ وهو يترك خدشاً ذي لون رمادي مزرق على الورق؛ وكان يستعمل فيما مضى للكتابة ومن ذلك أتت تسمية قلم رصاص رغم أن المادة المستخدمة حالياً هي من الغرافيت. تبلغ قيمة كمون القطب الكهربائي للرصاص −0.13 فولت؛[108] وهو فلز ذي مغناطيسية معاكسة وهو قابل للسحب والطرق،[109] وله مقاومة للتآكل بسبب خاصية التخميل.[110]
الرصاص من الفلزات الثقيلة، إذ يتميز بأنه ذي كثافة مرتفعة، والتي تعود إلى البنية المتراصة وفق النظام البلوري المكعب مركزي الوجوه، بالإضافة إلى الوزن الذري المرتفع.[111] تبلغ قيمة كثافة الرصاص مقدار 11.34 غ/سم3 وهي بذلك أكبر من كثافة الفلزات الشائعة مثل الحديد (7.87 غ/سم3) والنحاس (8.93 غ/سم3) والزنك (7.14 غ/سم3).[112] هناك بعض الفلزات النادرة ذات كثافة أعلى من الرصاص من ضمنها التنغستن والذهب (كلاهما ذي كثافة 19.3 غ/سم3) وكذلك الأوزميوم أكثر الفلزات المعروفة كثافةً بمقدار (22.59 غ/سم3)، وهي قيمة تبلغ حوالي ضعف كثافة الرصاص.[113] تبلغ قيمة ثابت الشبكة في البنبة البلورية المكعبة للرصاص مقدار 0.4950 نانومتر (4.95 أنغستروم)؛[114] مع وجود 4 وحدات صيغة في كل وحدة خلية.[115]
الرصاص النقي فلز طري، إذ تبلغ صلادته وفق مقياس موس 1.5، بحيث يمكن خدشه بظفر اليد.[116] تبلغ قيمة معامل الحجم (وهي مقياس مدى قدرة المادة على الانضغاط) للرصاص مقدار 45.8 غيغاباسكال (GPa)؛ وللمقارنة فإن قيمتها بالنسبة للألومنيوم تبلغ 75.2 GPa وللنحاس 137.8 GPa في حين أنها للفولاذ الكربوني 160–169 GPa.[117] تعد قيمة مقاومة الشد للرصاص منخفضة نسبياً (تتراوح بين 12–17 ميغاباسكال)، وهي أقل بست مرات من قيمتها للألومنيوم وبعشر مرات من النحاس وبحوالي 15 مرة من الفولاذ الكربوني. يمكن على العموم رفع قيمتها بالنسبة للرصاص عند إضافة كميات صغيرة من النحاس أو الإثمد.
تبلغ نقطة انصهار الرصاص 327.5 °س،[118] وهي منخفضة نسبياً بالمقارنة مع باقي الفلزات؛[111] أما نقطة الغليان فتبلغ 1749 °س [118] وقيمتها هي الأخفض من بين عناصر مجموعة الكربون. للرصاص مقاومية كهربائية 192 نانوأوم-متر، وهي بذلك أكبر بحوالي قيمة أسية من قيمة مقاومية الفلزات الصناعية المعروفة (النحاس: 15.43 nΩ·m و الذهب 20.51 nΩ·m و الألومنيوم 24.15 nΩ·m).[119])؛ بالتالي للرصاص موصلية كهربائية أقل من الفلزات المذكورة، فقيمتها عند الرصاص 4.8 · 106 سيمنز/متر في حين أنها للفضة 62 · 106 S/m على سبيل المثال.[120] الرصاص موصل فائق عند درجات حرارة أدنى من 7.19 كلفن،[121] وهي بذلك أعلى نقطة حرجة من بين الموصلات الفائقة من النمط الأول وثالث اعلى قيمة من بين الموصلات الفائقة العنصرية.[122]
تحوي ذرّة الرصاص على 82 إلكتروناً موزّعة على التشكيل التالي:Xe]4f145d106s26p2]. إن مجموع طاقتي التأين الأولى والثانية للرصاص مقارب في قيمته من القيمة المقابلة للقصدير، وهو العنصر الذي يعلو الرصاص في مجموعة الكربون، وهو أمر غير اعتيادي، إذ أن طاقات التأين عادةً ما تتناقص نزولاً في مجموعات الجدول الدوري. يعود ذلك التقارب في قيم طاقات التأين بين عنصري القصديير والرصاص إلى ظاهرة الانكماش اللانثانيدي، وهو تناقص في قيمة نصف القطر الذري في دورة اللانثانيدات (من عنصر اللانثانوم ذي العدد الذري 57 إلى عنصر اللوتيشيوم ذي العدد الذري 71)، ومع وجود نصف قطر ذري صغير نسبياً من عنصر الهافنيوم (72) إلى نهاية الدورة)؛ وذلك بسبب الحجب الضعيف على نوى تلك العناصر من الإلكترونات 4f. تبدو تلك الظاهرة بشكل أوضح عند جمع طاقات التأين الأربع الأولى للعنصرين، حيث إن مجموعها أعلى في الرصاص من نظيره في القصدير.[123] يمكن تفسير تلك الظاهرة وفق مبادئ كيمياء الكم النسبية؛[124] والتي إحداها مبدأ تأثير الزوج الخامل، إذ أن الإلكترونات 6s في الرصاص صعبة التأين ولا تساهم في الترابط الكيميائي، وهذا السبب الذي يجعل المسافة بين ذرات الرصاص في الشبكة البلورية كبيرة نسبياً.[125]
يكون لمجانسات الرصاص الخفيفة في مجموعة الكربون متآصلات مستقرة أو شبه مستقرة يكون لبعضها بنية الألماس المكعبة ذات رابطة تساهمية رباعية السطوح، وذلك لأن مستويات الطاقة في المدارات الذرية s و p متقاربة بشكل يسمح تهجينها إلى مدارات sp3؛ في حين أن تأثير الزوج الخامل في الرصاص يزيد المسافة بين المدارات s و p بحيث لا يمكن التغلب على تلك الفجوة الطاقية.[126] بالمقابل فإن الرصاص فلز، وذلك يتوافق مع ازدياد الخواص الفلزية للعناصر نزولاً في مجموعات الجدول الدوري؛[127] ولذلك فإن ذرات الرصاص تترابط فيما بينها برابطة فلزية تساهم فيها الإلكترونات p فقط غير المتمركزة والمتشاركة بين أيونات الرصاص الثنائي 2+Pb؛ ووفقاً لذلك فإن البنية البلورية الرصاص تكون حسب نظام بلوري مكعب مركزي الوجوه،[128] وذلك بشكل مماثل للعناصر ثنائية التكافؤ القريبة في قياس الذرة،[129] مثل الكالسيوم والسترونشيوم.[130]
يتأكسد الرصاص عند تعرضه للهواء الرطب ويشكل طبقة واقية ذات تركيب متفاوت تجمع بين أكاسيد الرصاص ومركبات أخرى، من بينها كربونات الرصاص الثنائي (الإسفيداج) والذي يعد أحد المكونات الشائعة لها؛[131][132][133] كما يمكن لكبريتات أو كلوريد الرصاص الثنائي أن تكون داخلة في تركيب تلك الطبقة، وخاصة في التجهيزات المدنية أو البحرية.[134] تجعل تلك الطبقة من الرصاص خاملاً في الهواء؛[134] وبالمقابل فإن مسحوق الرصاص الناعم يشتعل تلقائياً،[135] وذلك بلهب أزرق باهت.[136]
يتفاعل الفلور مع الرصاص عند درجة حرارة الغرفة مشكلاً فلوريد الرصاص الثنائي؛ في حين أن التفاعل مع الكلور يتطلب تسخيناً، إذ أن دخول الكلوريد في تركيب الطبقة على الرصاص يقلل من تفاعليته.[134] يتفاعل مصهور الرصاص مع الكالكوجينات (عناصر مجموعة الأكسجين) ليعطي كالكوجينيدات الرصاص الثنائي.[137]
يستطيع الرصاص الفلزي مقاومة أثر حمضي الكبريتيك والفوسفوريك ولكن ليس في حالة حمض النتريك وذلك لأن ملح نترات الرصاص قابل للانحلال؛ إذ تعتمد نتيجة مقاومة الرصاص للانحلال في الحموض على عدم الانحلالية وعلى التخميل اللاحق للملح الناتج.[138] في المقابل، تستطيع المحاليل القلوية المركزة أن تذيب الرصاص مشكلةً بذلك أملاح الرصاصيت.[139]
المركبات الكيميائية[عدل]
للرصاص حالتي أكسدة رئيسيتين، وهما +2 و +4؛[134] ويعود ذلك إلى تأثير الزوج الخامل والذي يبرز بشكل واضح عند وجود فرق كبير في الكهرسلبية بين الرصاص وبين أنيونات الأكسيد أو الهاليد أو النتريد مسبباً وجود شحنة كهربائية موجبة جزئية ظاهرة على الرصاص. هناك فرق كبير نسبياً بين كهرسلبية الرصاص الثنائي (قيمتها 1.87) والرصاص الرباعي (قيمتها 2.33).[140] في حالة الفرق الكبير في الكهرسلبية يؤدي تأثير الزوج الخامل إلى حدوث انكماش أكبر لمدار 6s في الرصاص أكثر مما هو الحال في مدار 6p؛ مما يجعل مساهمة الإلكترونات في المدار 6s غير مفضلاً، ولذلك تكون السمة السائدة في مركبات الرصاص ذات السمة الأيونية أنها ثنائية التكافؤ. بالمقابل، فإن تأثير الزوج الخامل أقل تطبيقاً في مركبات الرصاص ذات السمة التساهمية، حيث يتشارك الرصاص الرابطة مع عناصر مقاربة في الكهرسلبية مثل الكربون في مركبات الرصاص العضوية، والتي تكون فيها المدارات 6s و 6p متقاربة، مما يتيح المجال لحدوث تهجين مداري على النمط sp3؛ إذ أن الرصاص كما الكربون يكون رباعي التكافؤ في تلك المركبات.[141] يمكن للرصاص أن يشكل سلسلة من ذرات الرصاص المترابطة مع بعضها تساهمياً، وتلك خاصية يتشارك مع مجانساته الأخف في مجموعة الكربون؛ إلا أن مدى طول السلسلة أصغر بكثير مما باقي تلك العناصر وذلك لأن طاقة الرابطة Pb–Pb أصغر بأكثر من ثلاث مرات من طاقة الرابطة C–C.[137] يمكن أن يصل طول سلسلة الرصاص إلى ثلاث ذرات كأقصى حد.[142]
إن مركبات الرصاص الثنائي هي السائدة في الكيمياء اللاعضوية لهذا العنصر؛ إذ أنه حتى المؤكسدات القوية مثل الفلور أو الكلور تتفاعل مع الرصاص لتعطي فقط هاليدات الرصاص الثنائي الموافقة PbF2 وPbCl2.[134] عادةً ما تكون أيونات الرصاص الثنائي عديمة اللون في محاليلها، [143] وهي ليست ذات صفة اختزالية مثلما هو الحال مع أيونات القصدير الثنائي؛ وهي تتحلمه جزئياً لتشكل (+Pb(OH ثم لاحقاً لتعطي في النهاية 4+[Pb4(OH)4] (والذي تشكل فيه أيونات الهيدروكسيل ربيطات جسرية.[144][145])
يوجد أكسيد الرصاص الثنائي (أو أحادي أكسيد الرصاص) في الحالة الطبيعية على شكلين مختلفين؛ الأول يدعى «مرتك» (أو المرداسنج) وهو الشكل ألفا α-PbO من الأكسيد وهو ذو لونه أحمر؛ أما الثاني فهو الشكل بيتا β-PbO ويدعى «ماسيكوت» (أو الإسفيداج المكلس) وهو ذو لون أصفر. يعد الشكل ألفا (مرتك) هو الأكثر شيوعاً، إذ أن الشكل بيتا (الماسيكوت) مستقر عند درجات حرارة تفوق 488 °س.[146]
لا يمكن عملياً الحصول على ملح هيدروكسيد الرصاص الثنائي Pb(OH)2؛ إذ أن رفع pH محاليل أملاح الرصاص الثنائي يؤدي إلى حدوث تفاعل حلمهة؛[147] ويترسب جراء ذلك ملح كربونات الرصاص القاعدية 2PbCO3·Pb(OH)2،[148] والمعروف باسم «أبيض الرصاص». أما كربونات الرصاص الثنائي (الإسفيداج) PbCO3 فهو مركب معروف ويدخل في تركيب الطبقة الواقية على الرصاص.
يشكل الرصاص الثنائي مختلف أملاح الكالكوجينيد حتى الثقيلة منها؛ فمركب كبريتيد الرصاص الثنائي PbS معروف وهو من أشباه الموصلات وله ناقلية ضوئية ويستخدم في تركيب مكاشيف الأشعة تحت الحمراء الحساسة، ويوجد طبيعياً على شكل معدن غالينا؛ أما سيلينيد الرصاص PbSe وتيلوريد الرصاص PbTe فلها ناقلية ضوئية أيضاً، وتتميز أنها بخلاف العادة ذات درجات لونية فاتحة.[149]
إن هاليدات الرصاص الثنائي هي مركبات معروفة ومدروسة الخواص، وهي تشمل أملاح الفلوريد PbF2 (والذي كان من أول المركبات الأيونية التي اكتشفت غيها خواص الناقلية الأيونية من مايكل فاراداي سنة 1834.[150]) والكلوريد PbCl2 وبروميد الرصاص الثنائي PbBr2 واليوديد PbI2؛ وحتى ملح الأستاتيد،[151] بالإضافة إلى المركبات بين الهالوجينية مثل مركب PbFCl الذي يستخدم في إحدى طرق التحليل الوزني للفلور. تتفكك هاليدات الرصاص الثنائي عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وخاصة ثنائي يوديد الرصاص.[152] للرصاص الثنائي قدرة جيدة على تشكيل العديد من المعقدات التناسقية مع أملاح الهاليدات مثل [PbCl4]2−, [PbCl6]4−.[152]. كذلك فإن مركبات الهاليدات الزائفة للرصاص الثنائي معروفة، ومنها ملح الثيوسيانات Pb(SCN)2 على سبيل المثال.[149][153]
إن كبريتات الرصاص الثنائي PbSO4 غير منحلة في الماء مثلما هو الحال مع كبريتات كاتيونات الفلزات الثقيلة ثنائية التكافؤ؛ في المقابل فإن أملاح النترات Pb(NO3)2 ذات انحلالية جيدة في الماء، ولذلك فإنها تستخدم مخبرياً في تحضير مركبات الرصاص الأخرى.[154]
إن كبريتات الرصاص الثنائي PbSO4 غير منحلة في الماء مثلما هو الحال مع كبريتات كاتيونات الفلزات الثقيلة ثنائية التكافؤ؛ في المقابل فإن أملاح النترات Pb(NO3)2 ذات انحلالية جيدة في الماء، ولذلك فإنها تستخدم مخبرياً في تحضير مركبات الرصاص الأخرى.[154]
الرصاص الرباعي
من النادر وجود مركبات لاعضوية للرصاص الرباعي، وهي تتشكل فقط في أوساط المحاليل المؤكسدة القوية، ولا توجد على شكل مركب في الشروط القياسية.[155] يمكن لأكسيد الرصاص الثنائي أن يتأكسد بشكل أكبر مما عليه ولكن إلى أكسيد الرصاص الثنائي والرباعي 2PbO·PbO2 والتي يمكن كتابة صيغته على الشكل Pb3O4؛ وله لون أحمر فاقع، ويسمى أحمر الرصاص. أما أكسيد الرصاص الرباعي PbO2 فهو ذو لون أسود؛ وهو مؤكسد قوي، إذ بإمكانه أن يؤكسد الكلوريد في حمض الهيدروكلوريك إلى غاز الكلور،[156] وذلك لأن رباعي كلوريد الرصاص المفترض تشكله غير مستقر ويتفكك تلقائياً إلى ثنائي كلوريد الرصاص PbCl2 وغاز الكلور Cl2.[157] بشكل مشابه لأكسيد الرصاص الثنائي الذي يشكل أملاح الرصاصيت فإن أكسيد الرصاص الرباعي يشكل أملاح الرصاصات وذلك عند المعالجة بالقلويات.
من مركبات الرصاص الرباعي اللاعضوية المستحصلة كل من كبريتيد الرصاص الرباعي (ثنائي كبريتيد الرصاص) PbS2، [158] وسيلينيد الرصاص الرباعي (ثنائي سيلينيد الرصاص) PbSe2،[159] واللذان هما مستقران عند ضغوط مرتفعة فقط. وهناك أيضاً فلوريد الرصاص الرباعي (رباعي فلوريد الرصاص) PbF4، وهو الهاليد الوحيد المستقر للرصاص الرباعي، رغم أنه أقل استقراراً من ثنائي الفلوريد؛ أما باقي الهاليدات مثل كلوريد الرصاص الرباعي (رباعي كلوريد الرصاص) PbCl4 فهي غير مستقرة وتتفكك تلقائياً.[160]
يمكن الحصول على حالة أكسدة كسرية للرصاص في مزائجه الأكسدية فقط، فمثلاً يستحصل على الأكسيد الأكسيد الأحادي النصفي Pb2O3 عند ضغوط مرتفعة مع مزائج أكسيدية أخرى. كما يمكن في بعض الحالات الحصول على حالة أكسدة سالبة القيمة للرصاص وذلك في مركبات طور زنتل بين الفلزية مثل مركب Ba2Pb الذي يكون فيه الرصاص نظرياً بحالة أكسدة -4؛[165] أو في بعض المعقدات الأيونية العنقودية مثل 2−Pb5 التي لها بنية جزيئية هرمية مزدوجة ثلاثية السطوح تكون فيها ذرتا رصاص في حالة الأكسدة -1 والثلاث ذرات المتبقية في حالة الأكسدة الصفرية الحرة (0).[166] تكون في أمثل تلك الأنيونات كل ذرة متموضعة على رأس المضلع وتساهم بإلكترونين لكل رابطة تساهمية على الضلعين المجاورين من مدارات sp3، أما الإلكترونين الآخرين فيبقيان على شكل زوج غير رابط.[144] يمكن الحصول على أمثال حالات الأكسدة السالبة للرصاص بالاختزال بواسطة الصوديوم في وسط من الأمونيا.[167]
العضوية يشكل الرصاص مع الكربون مركبات عضوية فلزية، وهي ذات استقرار أقل من المركبات العضوية العادية،[168] وذلك بسبب ضعف الرابطة رصاص-كربون Pb–C؛[144] وهذا ما يجعل الكيمياء العضوية الفلزية للرصاص أقل أهمية من نظيرتها في القصدير على سبيل المثال.[169] في مركباته العضوية يكون الرصاص غالباً بحالة الأكسدة العليا +4، رغم وجود بعض مركبات الرصاص الثنائي العضوية؛ ومن أمثلتها كل من وأسيتات الرصاص الثنائي Pb(C2H3O2)2 (الذي كان يعرف سابقاً باسم سكّر الرصاص) وبلمبوسين Pb(η5-C5H5)2.[169] تمتلك مركبات الرصاص العضوية لذلك صفة مؤكسدة، كما هو الحال مع أسيتات الرصاص الرباعي وهو كاشف مهم للأكسدة في تفاعلات الاصطناع العضوي.[170]
يستطيع الرصاص أن يناظر الكربون في تشكيله للميثان وذلك بمركب البلومبان، وهو رباعي هيدريد الرصاص PbH4، وهو غير مستقر ويمكن الحصول عليه نظرياً من مفاعلة الرصاص مع الهيدروجين بوجود حفاز مناسب.[171] بالمقابل، فإن من أشهر مركبات الرصاص العضوية المستقرة كل من رباعي ميثيل الرصاص Pb(CH3)4 ورباعي إيثيل الرصاص Pb(C2H5)4، والتي لا تتفكك إلا عند تعريضها للحرارة،[172] أو بتعريضها للأشعة فوق البنفسجية؛[173] وكذلك مركب رباعي فينيل الرصاص الذي يتفكك عند الدرجة 270 °س.[169] يمكن تشكيل مركبات الرصاص العضوية من مفاعلة الرصاص مع الصوديوم ثم بالمفاعلة مع هاليدات الألكيل في وسط مناسب.[174] وكان أكثرها تحضيراً مركب رباعي إيثيل الرصاص،[169] إذ كان يستخدم ضمن الإضافات لوقود السيارات قبل منعه لسميته. أما باقي مركبات الرصاص العضوية فهي غير مستقرة؛[168] والكثير منها لا يمكن تحضيره بالمقارنة مع العناصر الأخرى.[171]
التحليل الكيميائي[عدل]
يمكن الكشف عن الرصاص إما باستخدام الأساليب التقليدية أو بوسائل التحليل الآلي الحديثة.
الكشف عن الرصاص بالترسيب
يمكن الكشف عن أيونات الرصاص في المحاليل المائية بإجراء تفاعل ترسيب لأملاح الرصاص، ومن بين تفاعلات الكشف تلك تفاعل ترسيب الرصاص على شكل ملح يوديد الرصاص الثنائي أصفر اللون:
يمكن أن يجرى التفاعل مع أملاح أخرى للرصاص مثل ملح كبريتيد الرصاص الثنائي أسود اللون،[175] أو ملح كرومات الرصاص أصفر اللون.[176]
مطيافية الامتصاص الذري
تعد تقنية مطيافية الامتصاص الذري إما عبر أنبوب الغرافيت أو الكوارتز من أفضل الأساليب للكشف عن الكميات النزرة القليلة من الرصاص؛ حيث يمكن أن يصل الحد الأدنى للكشف 4.5 نانوغرام/مل. عادةً ما يعالج الرصاص مع بورهيدريد الصوديوم للحصول على هيدريد الرصاص الثنائي المتطاير والذي يجمع في كويب مخبري ثم يسخن كهربائياً إلى درجات حرارة تتجاوز 900 °س؛ وعندئذٍ تتذرر العينة ويمكن الكشف عن الرصاص حينها باستخدام مصباح المهبط المجوف، حيث يبدي الرصاص امتصاصية عند 283.3 نم. يمكن أن تجرى عملية التذرير باستخدام مزيج من شعلة مزيج من الهواء والأسيتيلين أو بلازما أشعة الميكرويف.[177]
مطيافية الانبعاث الذري
لإجراء التحاليل على عينات الرصاص باستخدام تقنية مطيافية الانبعاث الذري (AES) يتم في العادة استخدام البلازما إما من بلازما أشعة الميكروييف (MIP-AES) أو بلازما الآرغون المقترنة بالتحريض (ICP-AES). عادةً ما يتم الكشف عن الرصاص عند أطوال موجة 283.32 نم و 405.78 نم. تكون مستويات حد الكشف في هذه التقنية منخفضة أيضاً؛ فعلى سبيل المثال جرى الكشف باستخدام MIP-AES عن ثلاثي ميثيل الرصاص بتراكيز دنيا وصلت إلى 0.19 بيكوغرام/غ؛[178] في حين أن استخدام أسلوب ICP-AES مكّن من تحليل آثار من الرصاص في مياه الشرب ذات تركيز أدنى يصل إلى 15.3 نانوغرام/مل.[179][180]
مطيافية الكتلة
يمكن استخدام التقنيات المختلفة في مطيافية الكتلة تحليل آثار من الفلزات باستخدام البلازما المقترنة بالتحريض مصدراً للأيونات، فعلى سبيل المثال يصل حد الكشف عن الرصاص في عينة بول إلى 4.2 بيكوغرام/غرام.[181]
القياس الضوئي
تعد طريقة الديثيزون أكثر طرق الكشف عن الرصاص بواسطة القياس الضوئي شيوعاً. ديثيزون هو مركب عضوي عطري يستخدم ربيطةً ثنائية السن، ويشكل مع أيونات الرصاص عند مجال pH يتراوح بين 9–11.5 معقداً تناسقياً أحمر اللون له امتصاصية عند 520 نانومتر. من مشكلات هذا الأسلوب تداخل أيونات البزموت والثاليوم في التحليل، لذلك ينبغي ترسيبها أو استخلاصها أولاً.[182][183][184]
القياس الفولتي
تستخدم تقنيات القياس الفولتي المختلفة في تحليل الآثار من الرصاص، وذلك بتراكيز دنيا من حد الكشف تصل إلى 50 بيكومول في اللتر.[185][186]
الأثر الحيوي[عدل]
لا يوجد للرصاص دور بيولوجي مؤكد، ولا يوجد مستوى أمان مؤكد للتعرض للرصاص.[187][188][189] خلُصت دراسة أجريت عام 2009 إلى أن «التعرض لمستويات تعتبر آمنة بشكلٍ عام من الرصاص قد يؤدي إلى نتائج سلبية على الصحة العقلية».[190] متوسط مستوى وجود الرصاص في جسم الإنسان البالغ حوالي 120 ميليغراماً،[191] ومن المعادن الثقيلة التي توجد بنسب أكبر في جسم الإنسان الزنك (2500 ميليغراماً) والحديد (4000 ميليغراماً [192]. كما يتم امتصاص أملاح الرصاص بكفاءة عالية في جسم الإنسان [193]. تخزن نسبة قليلة من الرصاص (أي 1% في العظام)؛ أما الكمية الباقية فيتم إفرازها مع البول والبراز في غضون إسابيع قليلة من دخولها للجسم. يكون حوالي ثلث الرصاص في جسم الإنسان طبيعياً في جسم الطفل؛ لكن التعرص المستمر ينتج عن التراكم الحيوي للرصاص.[194]
الرصاص معدنٌ سام للغاية (سواء كان ذلك باستنشاقه أو ابتلاعه)، ما يؤثّر على كل أجهزة جسم الإنسان وأعضاءه تقريباً.[195] تعتبر المستويات الموجودة في الجو 100 ملغم\م 3 ذات خطورة فورية للحياة أو الصحة.[196] معظم الرصاص الذي يتم ابتلاعه يُمتصّ ألى مجرى الدم.[197] السبب الرئيسي للسمّية هو ميله لتغيير أداء الإنزيمات. حيث يقوم بذلك بالارتباط بالثيولات الموجودة في العديد من الإنزيمات،[198] أو تقليد المعادن الأخرى التي تعمل كعامل مرافق في العديد من التفاعلات الإنزيمية.[199] من بين المعادن الأساسية التي يتفاعل الرصاص معها الحديد والكالسيوم والزنك.[200] تميل المستويات العالية من الكالسيوم والحديد إلى توفير بعض الحماية ضد التسمم بالرصاص؛ لكن المستويات المنخفضة منهما تسبب زيادة في التعرض لسمّية الرصاص.[193]
التأثيرات يمكن أن يسبب الرصاص أضرار بالغة للدماغ والكلى ويؤدي ذلك للموت في نهاية الأمر. يمكن أن يعبر الرصاص الحاجز الدموي الدماغي بتقليده عمل الكالسيوم. يعمل الرصاص على إتلاف أغمدة الميالين في العصبونات، ويقلّل عددها، ويتداخل مع مسارات النواقل العصبية ويحدّ من نمو الخلايا العصبية[198]. في جسم الإنسان، يثبّط الرصاص إنزيم سينثيز البرفوبيلينوجين وإنزيم فيروكيلاتيز فيمنع تكوّن بُرْفوبيلينوجين ويمنع اندماج الحديد مع بروتوبورفيرين 9، وهي آخر خطوة في عملية تركيب الهيم. يسبب هذا كله تخليقاً غير فعال للهيم وفقر الدم الجزئي.[201]
تتضمن أعراض التسمم بالرصاص اعتلال الكلى ومغص شبيه بآلام البطن وضعف في الأصابع والرسغين والكاحلين، وتحدث زيادة قليلة في ضغط الدم، لا سيما لدى الأشخاص في منتصف العمل وكبار السن، لكن قد تكون الزيادة واضحة فتسبب فقر الدم. وجدت العديد من الدراسات وجود ارتباطٍ بين زيادة التعرض للرصاص وانخفاض معدل ضربات القلب.[202] أما في النساء الحوامل، فقد يؤدي التعرض للرصاص بمستويات مرتفعة إلى الإجهاض. أما التعرض المزمن للرصاص بمستويات مرتفعة فيقلل الخصوبة عند الذكور.[203] بالنسبة لدماغ الطفل في طور النمو، يتداخل الرصاص مع تكوين التشابك العصبي في القشرة المخية وتطوّر الجهاز العصبي (بما في ذلك النواقل العصبية)، وتنظيم القنوات الأيونية.[204] يتسبب التعرض للرصاص في الطفولة المبكرة بزيادة مخاطر اضطرابات النوم أما في مراحل الطفولة المتأخرة فيسبب النعاس المفرط في النهار.[205] كما ترتبط مستويات الدم المرتفعة بتأخر سن البلوغ عند الفتيات.[206] في القرن العشرين، تم الربط بين تباين التعرض للرصاص (ارتفاعاً وانخفاضاً) الموجود في الجو الناتج عن احتراق الرصاص رباعي الإيثيل في البنزين وبين تباين معدلات الجريمة ارتفاعاً وانخفاضاً، ويعرف ذلك بفرضية الرصاص-الجريمة التي لم تكن مقبولة عالمياً.[207]
مصادر التعرّض[عدل]
أصبح التعرض للرصاص مشكلة عالمية منذ أن أصبح التعدين وصهر المعادن عمليات صناعية رئيسية، وشيوع صناعة البطاريات والتخلص منها وإعادة تدويرها في العديد من دول العالم. يدخل الرصاص إلى الجسم عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع أو امتصاص الجلد. الطريقة الأكثر شيوعاً هي استنشاق الرصاص إلى الجسم، أما بالنسبة للابتلاع فتتراوح نسبة حدوثة بين 20 – 70%، حيث الأطفال أكثر عرضةً لابتلاع الرصاص من البالغين.[208][209]
ينتج التسمم عادةً عن ابتلاع الطعام أو الماء الملوث بالرصاص، أو ابتلاع تربة ملوثة أو غبار أو طلاء يستخدم فيه الرصاص، وهي الحالات أقل شيوعاً.[210] قد تحتوي منتجات مياه البحر على الرصاص إذا تعرضت لتلوّث بالمياه الصناعية الناتجة عن المنشآت القريبة. [211] يمكن أن تتلوث الفواكة والخضراوات أيضاً بمستويات عالية من الرصاص الموجود في التربة التي تزرع فيها. وتتلوث التربة من تراكم الجزئيات التي مصدرها الأنابيب والطلاء والانبعاثات المتبقية من البنزين المحتوي على الرصاص.[212]
يعتبر استخدام الرصاص لتصنيع أنابيب المياه أمراً جدلياً، خاصة في الدول التي فيها ماء يسر أو مياه حمضية. [213] يشكّل الماء العسر طبقة غير قابلة للذوبان داخل الأنابيب في حين يذيب الماء اليسر والماء الحمضي أنابيب الرصاص.[214] يؤدي ثاني أكسيد الكربون الذائب في الماء المنقول بواسطة أنابيب مصنوعة من الرصاص إلى تكوين بيكربونات الرصاص قابلة للذوبان؛ قد يؤدي الماء المشبع بالأكسجين إلى تذويب الرصاص ك[[هيدروكسيد الرصاص الثنائي]. شرب هذه المياه، ومع مرور الوقت، يمكن أن يسبب مشاكل صحية بسبب سمية الرصاص المذاب. كلما زاد محتوى الماء العسر من بيكربونات الكالسيوم وكبريتات الكالسيوم، كلما زادت طبقة كربونات الرصاص وكبريتات الرصاص الواقية التي تتشكل داخل الأنابيب.[215]
يعتبر دخول الدهانات المحتوية على الرصاص إلى الجسم المصدر الرئيسي للتعرّض بالنسبة للأطفال: من مصادر دخول الدهان إلى الجسم مضغ عتبات النوافذ القديمة المدهونة. أيضاً، عندما يبلى الدهان الجاف، فإنه يتقشّر ويتفتت ويصبح بعضه غباراً، ثم يدخل إلى الجسم من خلال اليدين أو الطعام أو المشروبات الملوثة. كما يؤدي تناول بعض المواد التي تقدم في الطب التقليدي إلى التعرض لبعض مركبات الرصاص..[216]
أما طريقة التعرّض الرئيسية الثانية فهي «الاستنشاق، حيث يتأثر بهذه الطريقة العمّال الذين يعملون بمهنٍ ترتبط بالرصاص ومركّباته،[197] والمدخنون، حيث يحتوي دخان السجائر على نظائر الرصاص الإشعاعية بالإضافة للعديد من المواد السامة الأخرى.[217]
قد يكون تعرض الجلد للرصاص خطيراً بالنسبة للأشخاص الذين يعملون بمركّبات الرصاص العضوية، حيث أن معدل امتصاص الجلد للرصاص غير العضوي يكون أقل.[218]
العلاج يتضمن علاج التسمم بالرصاص عادةً استخدام ديمركابرول وسوكيمير[219] قد تتطلب الحالات الحادة استخدام ثنائي صوديوم كالسيوم الإيديتات والكالسيوم بطريقة الاستخلاب، وأملاح حمض إثيلين ديامينيتيتراسيتيك ثنائية الصوديوم (ثنائي أمين الإيثيلين رباعي حمض الأسيتيك). إذ تكوّن تآلفاً أكبر مع الرصاص من الكالسيوم، فينتج عن ذلك خُلابة الرصاص التي تفرز خارج الجسم مع البول تاركةً خلفها الكالسيوم غير المؤذي..[220]
الأثر البيئي[عدل]
استخراج وإنتاج واستخدام والرصاص والتخلص منه ومن منتجاته كلها عمليات تسببت بتلوث التربة والمياه. وقد بلغت انبعاثات الرصاص إلى الجو ذروتها أثناء الثورة الصناعية، وفترة استخدام البنزين المحتوي على الرصاص في النصف الثاني من القرن العشرين. تنتج انبعاثات الرصاص من مصادر طبيعية (أي تركيز الرصاص الطبيعي) والإنتاج الصناعي والحرق وإعادة التدوير وإعادة استخراج الرصاص المدفون سابقاً.[221] ولا يزال تركيز الرصاص مرتفع في التربة والرواسب في المناطق الصناعية والحضرية؛ تتضمن الانبعاثات الناتجة عن الصناعة حرق الفحم الحجري [222]، الذي لا يزال متّبعاً في العديد من مناطق العالم، تحديداً في الدول النامية.[223] يمكن أن يتراكم الرصاص في التربة، خاصة تلك ذات المحتوى العضوي المرتفع، حيث يتبقّى فيها لمئات بل آلاف السنين. ينافس الرصاص البيئي غيره من المعادن التي وجدت في أو على سطح النباتات ما قد يمنع عملية التركيب الضوئي ويؤثر سلباً على نمو النبات وبقائه إن وجد بتركيزات عالية بما فيه الكفاية. يسبب تلوّث التربة والنباتات بالرصاص تصاعد السلسلة الغذائية التي تؤثر على الكائنات الحية الدقيقة والحيوانات. في الحيوانات، إذا ابتُلع الرصاص أو استُنشق أو امتصه الجلد، فإنه يسبب سمّية في العديد من الأجهزة الحيوية، فيضر بالجهاز العصبي والكلى والتكاثر وتكون الدم وأنظمة القلب والأوعية الدموية [224] يتأثر السمك بالرصاص من المياه والرواسب[225]، وبالتالي فإن التراكم الإحيائي في السلسلة الغذائية يشكل خطراً على الأسماك والطيور والثدييات البحرية.[226] يشمل الرصاص الاصطناعي ذلك المستخدم في طلقات الأسلحة وغطاسات الصيد. وهذان من بين أقوى مصادر التلوث بالرصاص في جانب مواقع إنتاج الرصاص[227]. تم حظر استخدام الرصاص في طلقات الأسلحة وغطاسات الصيد في الولايات المتحدة عام [228]2017، [229] على الرغم من أن هذا الحظر استمر لمدة شهر واحد فقط، كما يُدرس مثل هذا الحظر حالياً في الاتحاد الأوروبي.[230] تتضمن الطرق التحليلية المتّبعة لتقدير نسب الرصاص في البيئة استخدام قياس الضوء الطيفي وفلورية الأشعة السينية والمطيافية الذرية والكيمياء الكهربائية. ومن المقايسات الحيوية المهمة للتسمم بالرصاص فحص مستويات حمض أمينوليفولينيك في بلازما الدم والمصل والبول.[231]
القيود والمعالجة[عدل]
حدث تحول كبير في استخدام الرصاص بحلول منتصف ثمانينيات القرن الماضي. ففي الولايات المتحدة خفضت اللوائح البيئية أو ألغت استخدام الرصاص في المنتجات غير المتعلقة بالبطارية، بما في ذلك البنزين والدهانات وشبكات المياه. وأمكن استخدام أجهزة تحكم الجسيمات في محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم من أجل التقاط انبعاثات الرصاص.[222]
الاستخدامات خلافاً للاعتقاد الشائع، لا يوجد قط مادة الرصاص في أقلام الرصاص الخشبية. عندما صنعت أقلام الرصاص كأداة للكتابة من مادة الغرانيت الملفوفة، كان نوع الغرافيت المستخدم آنذاك يعرف باسم «الرصاص الأسود plumbago» (ويعني الاسم حرفياً «تصرّف كالرصاص» أو «نموذج الرصاص»).[233]
الشكل الأولي (كعنصر)[عدل]
لمعدن الرصاص العديد من الخصائص الميكانيكية المفيدة، بما في ذلك الكثافة العالية، ونقطة الانصهار المنخفضة، والليونة، والخمول النسبي. تتفوق العديد من المعادن على الرصاص في بعض هذه الخصائص، لكنها أقل شيوعاً واستخراجها من خاماتها أكثر صعوبةً. ونظراً لسمّية الرصاص، فقد استبعد من بعض الصناعات والاستخدامات.[234]
استخدم معدن الرصاص في تصنيع طلقات الأسلحة منذ اختراعها في العصور الوسطى. نظراً لكونه غير مكلف ونقطة انصهاره منخفضة، فقد كان من المفضّل استخدامه لصنع ذخائر الأسلحة الصغيرة وقذائف الطلقات النارية الصغيرة بطريقة الصبّ ومعدات تقنية بسيطة؛ ونظراً لكون كثافته أعلى من كثافة بعض المعادن الأخرى الشائعة، يعتبر الحفاظ على تسارع تغيير الرصاص أفضل من غيره. أما اليوم، فلا يزال الرصاص المادة الأساسية لصناعة طلقات الأسلحة ويستخدم لخلطه مع معادن أخرى لتصليبها.[37] أثيرت مخاوف من استخدام طلقات الرصاص في الصيد قد تضرّ بالبيئة. لذا بدأت ولاية كاليفورنيا حظر استخدام طلقات الرصاص للصيد في تموز (يوليو) 2015.[235] يستخدم الرصاص في العديد من التطبيقات بفضل كثافته العالية ومقاومته للتآكل. فهو يستخدم كصابورة لتوازن القوارب الشراعية؛ إذ تتيح كثافته بالحدّ من مقاومة الماء، وبالتالي موازنة تأثير الرياح على الأشرعة. [236] كما يستخدم في نظام الوزن الخاص بالغوص المتّبع في عمليات الغوص بجهاز التنفس تحت الماء المكتفي ذاتيا لمقاومة طفو الغطّاس.[237] عام 1993، تم تدعيم قاعدة برج بيزا المائل بحوالي 600 طن من الرصاص.[238] وبسبب مقاومته للتآكل، يُستخدم الرصاص كغمدٍ وقائي للكابلات تحت الماء.[239]
للرصاص استخدامات عديدة في صناعات البناء والتشييد؛ تستخدم صفائح الرصاص كمعدن معماري في مواد تدعيم الأسقف، والتصفيح والحشوات المعدنية المانعة للتسرب وفي صناعة المزاريب ووصلاتها وفي حواجز الأسقف.[240][241] تستخدم قوالب الرصاص المفصلة في قطع الزخرفة المستخدمة لإصلاح صفائح الرصاص. كما لا يزال مستخدماً لصناعة التماثيل والمنحوتات.[242]}} بما في ذلك دعامات التماثيل.[243] في الماضي، كان الرصاص يستخدم عادةً في توازن عجلات السيارات؛ لكن توقف استخدامه لهذا الغرض لأسباب بيئية.[73]
يضاف الرصاص إلى سبائك النحاس، كالنحاس الأصفر والبرونز، لتحسين إمكانية استخدامها في صناعة المياكن. ولكونه غير قابل للذوبان في النحاس عملياً، يشكّل الرصاص كريات صلبة في السبيكة كالحد الحبيبي وهذا من عيوبه. في التركيزات المنخفضة وعند استخدامه كمادة تشحييم، تعوق الكريات تشكيل الرايش أثناء عمل السبائك، وبالتالي تستخدم سبائك الرصاص ذي التركيزات الأكبر في صناعة المحامل. يوفر الرصاص خاصية التشحيم، ودعم المحامل.[244]
كثافة الرصاص العالية وعدده الذري وقابليته على التشكيل جعلت منه مادة أساسية لتصنيع الحواجز التي تمتص الصوت والاهتزازات والإشعاع..[245] ليس للرصاص ترددات صدى طبيعية؛[245] نتيجةً لذلك، تستخدم صفائح الرصاص كطبقات لتخفيت الأصوات في الجدران والأرضيات والأسقف في الاستديوهات الصوتية.[246] .[246] تصنع أنابيب الأرغن من سبائك الرصاص عادةً وذلك بمزجها بكميات مختلفة من القصدير للتحكم في نغمة كل أنبوب.[247][248]الرصاص مادة مهمة في صناعة الدروع الواقية من الإشعاعات المؤينة في الفيزياء النووية وغرف التصوير بالأشعة السينية[249] وذلك بسبب كثافته ومعامل امتصاصه المرتفع. [250] يستخدم الرصاص المصهور كمادة تبريد في المفاعلات السريعة بتبريد الرصاص.[251]
أكبر استخدامات الرصاص في أوائل القرن 21 هو «بطاريات الرصاص الحمضية». حيث توفر التفاعلات في البطارية بين الرصاص وثاني أكسيد الرصاص وحمض الكبريتيك مصدراً جيداً للجهد الكهربائي.[252] تم تركيب المكثفات الفائقة التي تتضمن بطاريات الرصاص الحمضية في تطبيقات تعتمد مقاييس الكيلووات والميغاوايت في أستراليا واليابان والولايات المتحدة لتنظيم الترددات وتحويل الطاقة الشمسية وتطويع الرياح وتطبيقات أخرى [[مكثف فائق[253] تتميز هذه البطاريات بكثافة طاقة أقل وأكثر كفاءة في تفريغ الشحنات من بطاريات أيونات الليثيوم، لكنها أرخص بكثير[254]
يستخدم الرصاص في كوابل الطاقة ذات الجهد العالي كمادة تغليف لمنع انتشار المياه إلى العازل الكهربائي؛ إلا أن استخدام الرصاص لهذا الغرض أصبح يقل تدريجياً.[255] كما أن استخدامه في سبائك لحام القصدير المستخدمه في الإلكترونيات أصبح أقل في بعض الدول وذلك بهدف تقليل كمية النفايات الضارة بالبيئة.[256] يعتبر الرصاص أحد ثلاثة معادن تستخدم في اختبار أودي المتّبع لفحص مواد المتاحف، التي تستخدم للكشف عن الأحماض العضوية والألدهيدات والغازات الحمضية.[257][258]
مركباته إضافة لتطبيقات معدن الرصاص الرئيسية، تعتبر بطاريات الرصاص الحمضي أكبر مستهلك لمركبات الرصاص. إذ تستخدم تفاعلات التخزين وإلإطلاق مركبات كبريتات الرصاص الثنائي وأكسيد الرصاص الرباعي:
Pb(s) + PbO2(s) + 2H2SO4(aq) → 2PbSO4(s) + 2H2O(l)
أما التطبيقات الأخرى لمركّبات الرصاص فمتخصصة جداً وفي في طريقها للتلاشي. تستخدم عوامل التلوين التي يدخل الرصاص في تكوينها في تزجيج الخزف والزجاج، خاصة ظلال اللونين الأحمر والأصفر. [259] تم التخلص من الألوان التي يدخل الرصاص في تكوينها في أوروبا وأمريكا الشمالية، لكنها لا تزال مستخدمة في الدول الأقل تقدماً كالصين[260] والهند[261] وإندونيسيا. [262] يستخدم رباعي أسيتيد الرصاص وثاني أكسيد الرصاص كعوامل مؤكسدة في الكيمياء العضوية. كما يستخدم الرصاص في طلاء الأسلاك الكهربائية مع كلوريد متعدد الفاينيل.[263][264] ويمكن استخدامه لمعالجة فتائل الشموع لضمان فترة احتراق أطول وأقوى. لكن وبسبب سمّيته، يستخدم المصنّعون الأوروبيون والأمريكيون الشماليون الآن بدائل كالزنك. [265][266] يحتوي الزجاج الرصاصي على 12-28% أكسيد الرصاص الثنائي، الذي يعمل على تغيير خصائصه البصرية ويقلل انتقال الإشعاع المؤين.[267] تستخدم أشباه الموصلات القائمة على الرصاص مثل تيلورايد وسيلينايد الرصاص المستخدمان في خلايا الألواح الضوئية وأجهزة استكشاف الأشعة تحت الحمراء.[268]
في الحياة والثقافة العامة[عدل]
يسمى الرصاص في اللغة العربية أيضاً باسم الصَرَفان.[269] وأما الآنك هو: الأُسْرُبُّ. وهو: الرصاص القلعيُّ، أو القزدير، أو الرصاص الأبيض، وقيل: الأسود، وقيل هو: الخالص منه. [270]
لكلمة «lead» في اللغة الإنجليزية أصل يعود إلى الإنجليزية الوسطى من كلمة «leed»، والتي بدورها مشتقة من الإنجليزية القديمة «lēad» (مع وجود علامة مكرون فوق حرف «e» للإشارة إلى مد الحرف).[271] أما الكلمة الإنجليزية القديمة فيفترض أنها مشتقة من اللغة الجرمانية البدائية «-lauda*»؛[272] والتي لا يوجد اتفاق على أصلها اللغوي بين علماء اللسانيات. تقول إحدى الفرضيات أنها مشتقة من الهندية الأوروبية البدائية «-lAudh*»؛[273] في حين أن فرضية أخرى تقول أنها مستعارة من الكلتية البدائية «-ɸloud-io*»، وهذه الكلمة لها صلة قرابة مع الكلمة اللاتينية «plumbum» التي أعطت العنصر رمزه الكيميائي Pb، كما أن كلمة «-ɸloud-io*» يعتقد انها أصل كلمة «-bliwa*» الجرمانية البدائية، والتي هي أصل كلمة «Blei» في اللغة الألمانية (التي تعني رصاص).[274]
منذ العصر الكلاسيكي القديم ولفترات لاحقة (وصلت حتى إلى القرن السابع عشر) كان هناك خلط بين عنصري القصدير والرصاص، ولذلك أصل لغوي، فالرومان أسموا الرصاص «plumbum nigrum» (رصاص أسود أو داكن)، في حين أنهم أسموا القصدير «plumbum candidum» (رصاص ناصع). يمكن ملاحظة ذلك الترافق في لغات أخرى؛ فعلى سبيل المثال فإن كلمة «olovo» في اللغة التشيكية تعني «رصاص»، ولكن بالمقابل فإن اللفظ القريب «олово» (أولوفو) في اللغة الروسية يعني «قصدير».[275] وفي تداخل آخر يتم أحياناً الخلط بين الرصاص والإثمد؛ خاصة أن كلاً منهما يوجد على شكل معدن كبريتيدي (الغالينا والاستيبنيت على الترتيب) وغالباً سويةً؛ ولذلك فقد أورد بلينيوس الأكبر وبشكل خاطئ أن تسخين الاستيبنيت يعطي الرصاص بدل الإثمد.[276] ويمكن ملاحظة ذلك التداخل أنه في بعض الدول مثل تركيا أو الهند فإن كلمة «surma» ذات الأصل الفارسي تشير إلى كبريتيد الإثمد أو كبريتيد الرصاص.[277] وفي بعض اللغات مثل الروسية فإن كلمة «сурьма» (سورما) تشير إلى عنصر الإثمد.[278]
في الثقافة العامة[عدل]
ينتشر تقليد صب الرصاص في عدد من الثقافات؛ ففي بعض المجتمعات العربية يشيع صب الرصاص لصد عين الحسد أو إبطال السحر.[279] بالمقابل يستخدم صب الرصاص في الماء البارد في بعض المجتمعات الغربية مثل ألمانيا لمعرفة الطالع خاصة يوم عيد رأس السنة الميلادية.[280]
كان الرصاص المعدني يترك أثراً على الألواح، ولذلك كان يستخدم في الكتابة؛ وعند اكتشاف الغرافيت واستخدامه لاحقاً في الكتابة وفي صناعة لب الأقلام بقيت النسبة للرصاص خطأً؛ رغم عدم احتواء قلم الرصاص على عنصر الرصاص، وهذا الخلط في التسمية موجود أيضاً في اللغة الألمانية (Bleistift) وفي اللغة الأيرلندية (peann luaidhe).