• الأربعاء. نوفمبر 8th, 2023

البوذية: هل هي مجرد ديانة، أم اسلوب حياة؟

يوليو 26, 2019

البوذية هي رابع أكبر ديانة في العالم ويدين بها أكثر من 520 مليون شخص، أي أكثر من 7٪ من سكان العالم.
وكلمة «بوذا» أو «بودا» تعني المتيقظ الذي لا ينام. أي الحي دائماً.
تضم البوذية مجموعة متنوعة من التقاليد والمعتقدات والممارسات الروحية القائمة إلى حد كبير على التعاليم الأصلية المنسوبة إلى بوذا وما ينتج عنها من فلسفات مترجمة.
نشأت البوذية في الهند القديمة كتقليد سرامانا في وقت ما بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، وانتشر في معظم أنحاء آسيا.
تعتمد البوذية على فرعين رئيسيين: ثيرافادا (بالي: «مدرسة الحكماء») وماهايانا (السنسكريتية: «السيارة العظيمة»).
تشترك معظم التقاليد البوذية في هدف التغلب على المعاناة ودورة الموت والبعث، إما عن طريق بلوغ السكينة أو عن طريق الإله.
تختلف المدارس البوذية في تفسيرها للطريق إلى التحرير، والأهمية النسبية والمكانة المعطاة لمختلف النصوص البوذية، وتعاليمها وممارساتها المحددة.
تشمل الممارسات التي تمت ملاحظتها على نطاق واسع اللجوء إلى بوذا والدارما والسانغا «وهو الثالوث البوذي» ومراعاة المبادئ الأخلاقية والرهبانية والتأمل وزراعة الباراميتاس أي (الفضائل).
تتمحور العقيدة البوذية حول 3 أمور (الجواهر الثلاث): أولها، الإيمان ببوذا كمعلّم مستنير للعقيدة البوذية، ثانيها، الإيمان بـ «دارما»، وهي تعاليم بوذا وتسمّى هذه التعاليم بالحقيقة، ثالثها وآخرها، المجتمع البوذي الخالي من ارتكاب الأخطاء مثل «المدينة الفاضلة لأفلاطون.
يؤمن البوذيون أن هناك إله واحد ولكن هذا الإله له ثلاثة أقانيم:
الخالق: وهو سبب وجود هذا الكون، وسبب وجود الإنسان.
المعلم: وهو الذي تصدر منه كل التعاليم السامية التي تحض على الفضيلة ونبذ العنف بالكامل حتى قتل الحيوان.
المخلص: وهو الذي سوف يوهب الحياة الثانية بعد الموت ويخلص الناس من الموت الأبدي أو الفناء.

تنصرف البوذية إلى الزهد والتأمل في الكون ورياضة النفس والعزم على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات.
في عام 483 قبل الميلاد اجتمع أتباع بوذا في مجمع كبير في راجاجراها لتدوين التعاليم البوذية وعهدوا بذلك إلى ثلاثة رهبان هم:
كاشيابا الذي اهتم بالمسائل العقلية.
أويالي الذي اهتم بقواعد تطهير النفس.
أناندا وقد دون جميع الأمثال والمحاورات.
تهدف الديانة إلى حث الإنسان على البحث عن الطمأنينة الداخلية وحالة التيقظ (الاستنارة)، محاولا أن يخرج من دورة التناسخ (حسب التقاليد الهندوسية). تقوم البوذية على الرياضة الروحية «اليوغا» كمدعم للطمزنينة الداخلية والصبر.
تقوم العقيدة البوذية على مبدأين:
الأول: يتنقل الأحياء أثناء دورة كينونتهم من حياة إلى أخرى.
الثاني: تتحدد طبيعة الحياة المقبلة تبعا للأعمال التي أنجزها الكائن الحي في حياته السابقة، ينبعث الذين أدوا أعمالاً جليلة إلى حياة أفضل، فيما يعيش الذين أدوا أعمال خبيثة حياة بائسة وشاقة.

ويمكن تلخيص تعاليم بوذا بالحقائق النبيلة الأربع التالية:
أن الحياة لا تخلو من المعاناة التي يسببها الشقاء ومصادر الشقاء في العالم سبعة: الولادة – الشيخوخة – المرض – الموت – مصاحبة العدو-مفارقة الصديق – الإخفاق في التماس ما تطلبه النفس، وفي هذا المجال يقول بوذا: (ان سر هذه المتاعب هو رغبتنا في الحياة وسر الراحة هو قتل تلك الرغبة).
الحقيقة الثانية : هي الأصل في منشأ المعاناة وعدم وجود السعادة وهي ناجمة عن التمسك بالحياة ويقول بوذا:(ان منشأ هذه المعاناة الحتمية يرجع إلى الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا للحصول على أشياء خاصة لنا أننا نرغب دائما في شيء ما مثل: السعادة أو الأمان أو القوة أوالجمال أو الثراء….) أي أن سبب الشقاء وعدم السعادة هو الأنانية الإنسانية وحب الشهوات والرغبات.

الحقيقة الثالثة: هي حقيقة التخلص من المعاناة ولا يتم الا بالكف عن التعلق بالحياة والتخلص من الأنانية وحب الشهوات في نفوسنا وتسمى هذه الحالة (النيرفانا) أو الصفاء الروحي.

الحقيقة الرابعة : هي أن طريق التخلص من الأنانية والشهوات ومتاع الدنيا يوجب على الإنسان اتباع الطريق النبيل ذي الفروع الثمانية وهي:

– الإدراك السليم للحقائق الأربع النبيلة.
– التفكير السليم الخالي من كل نزعة هوى أو جموح شهوة أو اضطراب في الأماني والأحلام.
– الفعل السليم الذي يسلكه الإنسان في سبيل حياة مستقيمة سائرة على مقتضى السلوك والعلم والحق.
-الكلام السليم أي قول الصدق بدون زور أو بهتان.
– المعيشة السليمة القائمة على هجر اللذات تماما والمتطابقة مع السلوك القويم والعلم السليم.
– السلوك القويم وعمل الخير.
– ملاحظة الإنسان لكل تصرفاته وامتحان نفسه هل هو على الخلق الأسمى أم لا.
– التركيز والتأمل في الكون وإبداعه واقتباس المبادئ السامية من خلال التأمل ومحاسبة النفس.
غير أن البوذية تعنتق ثلاثة مبادئ أساسية تعتبرها لُبّ كل الأمور في الحياة، ألا وهي:
> الفضيلة.
> الحكمة.
> التأمل.
ويتم الوصول إلى كل واحد منها عن طريق وسائل مختلفة:
< اتباع سلوكيات أخلاقية صارمة.
< الامتناع عن الملذات الفانية.
< التغلب على الجهل، عن طريق التمعن الدقيق في حقيقة الأشياء، ثم إزالة الرغبات عن طريق تهدئة النفس وكبح الشهوات، وهي تشتمل على عدة تمارين نفسانية، من أهمها ممارسة التأمل لفترة طويلة كل يوم عن طريق إعمال العقل في جملة من الأفكار أو الصور، وتثبيتها في الذهن، يمكن شيئا فشيئا أن يتحول العقل ويقتنع بحقيقة العقائد المختلفة للبوذية، فيتخلص من الشوائب، والأفكار الخاطئة، والمناهج السيئة في التفكير، فتتطور بالتالي الفضائل التي تؤدي إلى الخلاص، وتتبد العادات السيئة المتولدة عن الشهوة. عن طريق اتباع هذه التمارين والتزام الأخلاق النبيلة يمكن للراهب البوذي أن يصل وفي ظرف زمني قصير (فترة حياته) إلى الخلاص.

الجواهر الثلاث:

عندما يعتنق شخص ما الدين البوذي عليه أن يعلن صراحةً أنه يلتمس لنفسه الملاذ ويتعوذ بالجواهر الثلاث ويتم ذلك أمام جمع من الرهبان البوذيين (سانغا)، وفق مراسيم وطقوس خاصة. حسب مفهوم البوذية يتوجب على الشخص الطامح إلى الخلاص أن يلوذ بثلاث أشياء أساسية، والمعروفة بـ «الجواهر الثلاث» وهم:

بوذا: والمقصود هنا الشخصية التاريخية المعروفة باسم «غاوتاما»، إلا أن هذا المفهوم يتسِع ليشمل بوذاتٍ (جمع بوذا) آخرين يمكن التعوذ بهم.

الدارما: وهي التعاليم التي تركها بوذا وتتلخص حسب ماهايانا في نصوص الـ «سوترا».
السانغا: وهي طائفة الرهبان والراهبات، والمقصود هنا بعض الرهبان ممن نَذر نفسه لمساعدة الآخرين، ويٌطلق على بعضهم لقب «بوديساتفا».

الهدف الأول من طلب الملاذ هو التخفيف من العواقب والمعاناة التي تسببها الكارما، وهذا ما يطمع إليه غالبا عامة الناس، إلا أن الهدف الأسمى يتمثل في الوصل إلى حالة الاستنارة أو التيقظ والتحرر الكُلي من الكارما، وهذا حال الرهبان والراهبات..

الكارْما:

يطلق لفظ كارما على الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها. إن أي عملٍ، خيِّرا كان أو شّرا، وأي كان مصدره، فعل، قول أو مجرد إعمال فكرة، لا بد أن تترتب عنه عواقب، ما دام قد نَتَج عن وعي وإدراك مسبوق، وتأخذ هذه العواقب شكل ثمارٍ، تنمو وبمجرد أن تنضج تسقط على صاحبها، فيكون جزائُه إما الثواب أو العِقاب. قد تطول أو تقصر المدة التي تتطلبها عملية نضوج الثمار (أو عواقب الأعمال)، غير أنها تتجاوز في الأغلب فترة حياة الإنسان، فيتحتم على صاحبها الانبعاث مرة أخرى لينال الجزاء الذي يستحقه.
لا يمكن لكائن من كان أن ينال جزاء لا يستحقه، نظرا لأن الكارما تقوم على عدالة شاملة. يعمل نظام الكارما وفق قانون أخلاقي طبيعي قائم بذاته وليس (كما في الأديان الأخرى) تحت سلطة الأحكام الإلهية. تتحدد وفقا للكارما عوامل مثل المظهر الخارجي، الجمال، الذكاء، العمر، الثراء والمركز الاجتماعي.

مبدأ الولادة الجديدة في البوذية:

تشير «الولادة الجديدة» في البوذية إلى عملية تغيير دائم يمر بها الإنسان أثناء حياته على الأرض.
والترقي من فضيلة إلى أخرى حتى يسمو الإنسان فوق كل ما هو رزيلة.

الطعام عند البوذيين:

يؤمن البوذيون بتحريم ذبح الحيوانات أو الطيور كونها كائنات حية تشعر وتتألم، بالتالي فهم يعتمدون في غذائهم على الأكل النباتي وليس الحيواني، ولا حتى الأسماك، لأن الأسماك هي أحياء بحرية لها أرواح وتشعر وتتألم وتخاف وتفرح وتمرح، فهم يومنون أن ذبح الحيوان إنما هو حرمانه من الحق في الحياة.
فمبدأ البوذية أن كل الكائنات تحب و ترغب في الحياة وترتعب من الآلام فكما أن الإنسان يحب ويرغب في الحياة ويرتعب من الألم. فهم بالتالي يراعوا حق الحيوان في ذلك .
حتى في أكل النباتات، فهم لا يقطفون الثمر من الأشجار ولكنهم يأكلون الثمار الساقطة حتى لا تتألم الشجرة من قطف الثمار، بالتالي فهم لا يجنون الحصاد قبل ميعاده، بل بعد أن يتأكدوا أن النباتات آن أوان حصادها.

الآلهة:
يؤمن البوذيون أن الإله يراقب كل تصرفات الإنسان ويكرمه كلما عمل فضيلة ويعابه إن اقترف الخطية.
كما أنهم يؤمنون بالإله المتنوع، الذي يمكنه أن يكون أنثى مع النساء وذكر مع الذكور ومن هذا المفهوم جردت البوذية الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم انفصال الإله عن الإنسان زو الحيوان، فجعلت الإله مرتبط بكل الكائنات الحية على الأرض، فهو يخاطب الإنسان والحيوان، ويستخدم الحيوانات الخاضعة له لتحقيق خطته في الثواب زو العقاب.
والبوذية تعتبر هذا الإله هو مصدر الخلاص من كل شر، وهو إله للخير فقط، وهو يعاقب الأشرار ولكنه لا يقتلهم، فهو عندهم إله عطوف ولا يؤذي أحداً.
بالإضافة إلى أنهم يرون هذا الإله أنه يمكنه أن يموت ثم يُبعث إلى الحياة مرة أخرى كما يشاء.
وإيمان البوذيين أن آلهتهم ترفض تقديم الأضاحي والقرابين الحيوانية، فكل القرابين إنما هي عبارة عن شموع وتقدمات نباتية وعطور.

النيرفانا

الهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كَسر دورة الحياة والانبعاث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها خلال حياته. وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة.
يستعمل لفظ «نيرفانا» لوصف حالة التيقظ التي تخمُد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام (الشهوة، الحقد والجهل). لا يحدُث التبدد الكلي للكارما عند بلوغ النيرفانا، يمكن وصف هذه الحالة بأنها بداية النهاية في طريق الخلاص.
والنيرفانا حالة من الوعي والإدراك لا يمكن تعريفها ولا حتى فهمها، إلا بعد أن يصلها الكائن الحي، ويُصبح متيقظا، فيستمر في العيش ومع الوقت يقوم بتبديد كل الكارما الخاصة به، حتى يبلغ عند مماتِه «النيرفانا الكاملة»

فغاية البوذية هي اتباع السلوكيات الأخلاقية والفضيلة وعدم أذى أي جسد بأي من زنواع الأذى حتى لو كان تأديب الزبوين لأولادهم،.
فمن حقهم أن يغضبوا منهم أو يعاقبونهم بأي عقاب غير الإيذاء الجسدي، ومن أسمى أنواع التربية عند البوذيين هي تلقين الزولاد دروس في الفضيلة منذ صغرهم وتعليمهم الدرس الأول الذي هو عدم إيذاء أي إنسان أو حيوان أو نبات.
بيد أن ممارسة الرياضة الروحية «اليوغا» تساعد على ممارسة أربع فضائل، والتي تسمى «قصر البراهما»: الإحسان، الإشفاق، التفكير الإيجابي، والرزانة.
وتساعد هذه الممارسات على انبعاث إيجابي (حياة أفضل). يتوجب على الأشخاص القيام بأعمال اجتماعية جليلة، وكذا الالتزام بالقواعد الخمس التي تشكل أساس الممارسات الأخلاقية للبوذية:
الكف عن القتل.
الكف عن أخذ ما لم يُعطى له.
الكف عن الكلام السيئ.
الكف عن السلوكيات الحِسية المُشينة.
الكف عن تناول المشروبات المُسْكِرة والمخدرات.

بإتباع هذه التعاليم يمكن القضاء على الأصول الخمسة للشرور: الشهوانية، الحِقد والوَهم، الخداع، القتل.

الجانب الأخلاقي

في تعاليم بوذا دعوة إلى المحبة والتسامح والتعامل بالحسنى والتصدق على الفقراء وترك الغنى والترف وفيها تحذير من الجنس غير المنضبط والمال وتقديس العلاقة الزوجية، وتقديس الأم.
يجب على البوذيِّ التقيد بثمانية أمور حتى يتمكن من الانتصار على نفسه وشهواته:
الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من سلطان الشهوة واللذة وذلك عند الإقدام على أي عمل.
التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالأهواء.
الإشراق الصحيح المستقيم.
الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان إلى ما يقوم به.
مطابقة اللسان لما في القلب.
مطابقة السلوك للقلب واللسان.
الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات.
الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملاذ.
في تعاليم بوذا أن الرذائل ترجع إلى أصول ثلاثة:
الاستسلام للملاذ والشهوات.
سوء النية في طلب الأشياء.
الغباء وعدم إدراك الأمور على وجهها الصحيح.
من وصايا بوذا: لا تقض على حياة حي، لا تسرق ولا تغتصب، لا تكذب، لا تتناول مسكراً، لا تزن، لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه، ابعد عن الخلاعة، لا تضجع على فراشً نجس، لا تأخذتتحلى بالذهب أو الفضة بل بالفضيلة.