• الخميس. نوفمبر 9th, 2023

القضايا الاستخبارية في تحقيق تشيلكوت عن حرب العراق

يوليو 8, 2016

في سبتمبر/أيلول 2002، استدعى صدام حسين مجلس قيادة الثورة إلى اجتماع في بغداد. بدا «متشنجا» وواقعا «تحت ضغط» عندما طلب إجابات من الجالسين حول الطاولة، بعد أن كان قد قرأ للتو ملفا نشر باسم لجنة الاستخبارات البريطانية المشتركة (JIC) في لندن.
ضم الملف معلومات تفصيلية عن قدرات نظام صدام، بما في ذلك ما زعم عن وجود أسلحة دمار شامل (يمتلكها) يمكن أن تطلق خلال 45 دقيقة. لقد حيره هذا الأمر، حسب تفسيرات جمعت لاحقا وبضمنها من صدام نفسه.
هل كان ثمة شخص في القاعة عارفا بهذه القدرات التي لم يكن الرئيس نفسه يعرف عنها شيئا؟ سارع كل أعضاء مجلس قيادة الثورة إلى نفي معرفتهم، وفعلا لم يكونوا يعرفون. إذن، ما الذي سيوضح استنتاج المخابرات البريطانية هذا؟
الإجابة عن هذا السؤال هي إحدى البنود المركزية التي سيُفيد بها تحقيق لجنة تشيلكوت. ثمة فشل استخباري. ولكن تحديد إلى أي مدى ومن هو المسؤول عن ذلك، بدا أمرا خلافيا، وقد يعطينا التحقيق أكثر الإجوبة حسما عنها حتى الآن.
ويمكن تقسيم القضية إلى ثلاث مناطق، وهي: استناد من جمعوا المعلومات على مصادر كانت خاطئة، وفشل في التحليل أي في عدم تحدي واختبار افتراض أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأخيرا فشل في طريقة تقديم المعلومات الاستخبارية إلى العموم، وليس أقله، الملف الذي جعل صدام نفسه حائرا.
تظل رواية غراهام غرين «رجلنا في هافانا»، بالطبع، الرواية الأكثر طرافة والأكثر تقديما لنقد متبصر لعالم الاستخبارات.
استطاع بائع مكانس كهربائية أن يقدم تصاميم آخر نماذج «المفاعل النووي» كسلاح دمار شامل مخفي وسط التلال، والفضل لعناصر جهاز أم آي 6 لأنهم لم يكونوا متحمسين كثيرا لتقديم مثل هذه البضائع. فالخبراء التقنيون الذين يفترض أن يختبروا صحة المعلومات الاستخبارية لم يظهروا التفاصيل ابدا.
هذا ما حدث تماما بعد تصاعد البحث عن مصادر عن أسلحة الدمار الشامل العراقية في عام 2002. إذ عرف عملاء في هذا المجال ما يراد وقدموه، لكنه لم يدقق بشكل صحيح ولم يعرض أبدا على خبراء تقنيين من كادر الاستخبارات العسكرية، (إحدى الوثائق التي زعمت أن العراق يقوم بشراء اليورانيوم من النيجر، رفضها خبراء دوليون بوصفها ملفقة خلال يوم واحد بعد عرضها عليهم).
وليس ثمة دليل داعم يمكن أن تتوقع رؤيته حول زعم مثل (استخدام هذه الأسلحة) خلال 45 دقيقة، على سبيل المثال، أين خزنت هذه الأسلحة أو صنعت أو حتى (تفاصيل)المدى الزمني الذي أشير إليه. وتلك كانت حقيقة كثير من هذه المعلومات الاستخبارية.
يقول غارث ويتي، الذي كان مفتش أسلحة كيماوية في العراق في التسعينات «لم تبد ثمة أي صرامة استخبارية في مراجعة هذه المعلومات. يمكن للمرء أن يفترض أن ذلك كان بسبب وجود رغبة في أن تكون هذه المعلومات صحيحة».
وبعد الحرب، راح جهاز أم آي 6 يبحث في مصادره. ونفى «مصدر جديد» – بُشر به كثيرا في ذلك الوقت- أنه قال أي شيء بشأن تسريع انتاج الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية. كما أنكر الضابط الذي يفترض أنه تحدث معه نحو 45 دقيقة أي معرفة بذلك.
وعندما وجدوا الوسيط الذي مرر تقرير الضابط، كان ثمة الكثير من الهمهمات، كما أخبرني مسؤول قبل سنوات قليلة.
وقد يكون السير ريتشارد ديرلوف، الذي بات لاحقا رئيسا لجهاز الاستخبارات البريطانية أم آي 6 على خط نار لجنة تشيلكوت في ما يخص هذه المصادر. فمنتقدوه يشيرون إلى أنه كان قريبا جدا من السلطة وكان متلهفا جدا لإرضاء داوننغ ستريت. وهذا شيء نفاه بشده.
على أنه كان ثمة قلق لدى بعض الضباط في أم آي 6، وطُلب نقل اثنين منهم (وبعضهم وجد ملجأ في جهاز أم آي 5).
وعندما أعلن الملف، بدأت عمليات التفتيش في العراق، ولكن عندما زار مفتشو الأمم المتحدة مواقع، قد مررت أماكنها لهم الاستخبارات البريطانية والأمريكية لم يجدوا شيئا فيها. على سبيل المثال، منشآت إنتاج سرية أخفيت في حقول دواجن لكن اكتشف لاحقا أنها مجرد حقول دواجن.
وتوزع نحو 700 مفتش في 500 موقع مختلف لكنهم لم يجدوا شيئا، وبضمنها بعض المواقع المقترحة من الاستخبارات البريطانية والأمريكية. قال لي هانز بليكس، الذي ادار عمليات التفتيش، مستذكرا هذه الأحداث» ظننا أنهم قدموا لنا أفضل المواقع التي لديهم، ولكن لم نجد أسلحة دمار شامل في أي من هذه الحالات».
وهذا ينم عن فشل استخباري ثان، بوصف أحد التحليلات. إذ ساد اعتقاد راسخ منذ التسعينيات في المجتمع الاستخباري بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ولم تكن ثمة رغبة لإعادة تقييم هذا الافتراض حتى بعد أن فشل المفتشون في ايجاد هذه الأسلحة.
ما الذي كان صدام قادرا على فعله حينذاك؟ لقد دمر في التسعينيات برامجه معتقدا أن العقوبات سترفع إذا لم يجد المفتشون شيئا، لكن خطأه القاتل كان بتدمير هذه البرامج سريا، على الأرجح، خشية الظهور بمظهر الضعيف في بلاده أو أمام جيرانه مثل إيران.
وهذا يعني أن المفتشين عندما يشيرون إلى مخزونات الأسلحة الكيماوية المعروفة سابقا، على سبيل المثال لا الحصر، كان العراقيون غير قادرين على اثبات أنهم دمروها، عوضا عن أنهم أخفوها فقط. الأمر الذي بات يعرف بقضية «المواد المفقودة».
وقبل أيام فقط من بدء الحرب، ظل العراقيون يحاولون باستماتة إيجاد طريقة جديدة لإثبات أنهم تخلصوا من المواد الكيماوية بصبها في الأرض بدلا من اخفائها.
ويرى منتقدو الحرب على العراق، أن الفشل في أعادة تقييم هذه الافتراضات بشأن العراق كان بسبب أن قطار الحرب كان قد انطلق من محطته. ويشيرون إلى أن المعلومات الاستخبارية كانت في النهاية مجرد ذريعة، ووسيلة لإيجاد تبرير عام ولاقناع الناس لدعم القضية التي كانت قد قررت مسبقا: وهذه القضية كانت تغيير النظام.
وربما يكون المجال المهم الأخير للجنة تشيلكوت هيو فحص كيفية تقديم المعلومات الاستخبارية إلى العموم. إذ وصفت تقييمات استخبارية سرية في مارس/آذار 2002 المعلومات الاستخبارية عن الأسلحة العراقية بوصفها «مشتتة وغير مكتملة «، ومع ذلك رفعت في سبتمبر/أيلول في ذلك الملف الشهير، الذي زعم رئيس الوزراء، توني بلير، لاحقا أنه كان «لا يقبل الشك»، مستندا بشدة الى خبراء لجنة الاستخبارات المشتركة ومصداقيتهم.
ويرجع جزء من هذا التصلب إلى قدرة جهاز أم آي 6 على ايجاد «مصادر جديدة» في صيف عام 2002، عندما كان الملف يُعد لتقديمه، ولكن قد يطال اللوم أيضا العملية التي سمحت بضياع التحذيرات القانونية والشروط الضرورية في هذا الصدد، وبجعل تلك المعلومات الاستخبارية تصور بوصفها أقوى مما كانت عليه فعليا. وأي نقد هنا قد يقع على لجنة الاستخبارات المشتركة ورئيسها لاحقا السير جون سكارليت.
والكثير من التفاصيل بشأن الاستخبارات سبق أن أشير إليه بشكل كبير في «تحقيق بتلر» (الذي قاد إلى اصلاحات في طريقة تدقيق جهاز أم آي 6 في مصادره).
ولكن عن قصة أسلحة الدمار الشامل التي قد رويت باستفاضة، قد تكون ثمة قضايا بشأن الجواسيس: هل فعلوا ما فيه الكفاية لتوقع ما قد حدث في العراق بعد سقوط صدام وتقديم معلومات كافية لصانعي السياسة العسكرية والجيش بشأن التمرد الذي ظهر لاحقا؟
وأيا كان الحكم النهائي، فإن تجربة العراق ستكون إحدى التجارب التي ستلقي بظلالها طويلا على العمل الاستخباري البريطاني.